الصحافي والروائي نبيل مملوك
الصحافي والروائي نبيل مملوك

“رجل من أرق” لنبيل مملوك متلازمة الانتماء و السيطرة الأبوية

“رجل من أرق” لنبيل مملوك متلازمة الانتماء و السيطرة الأبوية

هبة قطيش/ خاص takarir.net

“من أجل نشوة لا تتعدى تسع ثوان يولد إنسان يشقى سبعين عامًا”
– إميل سيوران

أثناء قراءتي لرواية “رجل من أرق” الصادرة عن دار زمكان ، تراءى ذلك القول لإميل سيوران امام ناظري، من بين السطور، تربص خياله بي طيلة الوقت.
هل أراد الكاتب نبيل مملوك، من خلال كلماته في روايته الاولى في العام ٢٠٢٣، أن يثبت لنا صحة هذه المقولة التي أحتفظ بها في ذاكرتي، منذ قراءتها أول مرة؟.
ام أن روايته، كانت مجرد خيال جامح، تقاطعت صدفة بأبطالها المرجومين، برشقات حجارة التربية، من تعنيف الاهل مع جملة سيوران؟.

اخذتني رواية مملوك بصفحاتها ال ١٦٠، إلى قعر كينونة الابطال، لا بل تعمقت من خلال تعابيره، و الصور الجميلة التي رافقت نصه، في فهم مشاعر الابطال الموبؤة بمرض السيطرة التوجيهية على أدمغة أطفالنا بشتى الوسائل منذ الولادة، كي نصنع منهم تماثيلا عن أنفسنا، و ذلك تحت ذريعة ” نحن نقسو عليهم من أجل مصلحتهم”.

فنرميهم، بعد مخاض دام عشرون سنة، عاهات نفسية، تعيث فسادا في بناء مجتمعاتنا لانهم مرضى اضطراب الشخصية الحدية، من خلال محاولة الانتقام، من ماضيهم، يعيثون خرابا في حاضرهم و مستقبلهم.
اللهم الا من حاول منهم إعادة تأهيل ذاته، و بناء شخصية متجددة، عند طبيب نفسي يتابعه، لترويض شروره، وطباعه العاقة.
ابتداء من نادر الشاب الذي يشتهي ممارسة الجنس دون القيام به، حتى فكت ممرضة مدسوسة عذريته، مرورا ب (نورا) التي مارست فعل الإسقاط، لمعاناتها مع والدها، على مرضاها النفسيين، مما جعلها مومسا، لدى زعيم، يستعمل جسدها كأفلام بورنو، لتغذية الخلايا الجنسية و العصبية، لدى المراهقين، و متصفحي هذه المواقع، وصولا الى هاني الحطاب، الذي قُتل بفعل فاعل، بعد أن اكتشف ماضي أبيه الحاج عبد الرحمن الحطاب، المخضب بالأفعال الشائنة، قبل ثوان من انفجار ٤ آب.
ربما كان هذا الانفجار هو رصاصة الرحمة، لدماغ هاني، المتهالك في سرير إليزابيث.
ربما الحب الذي افتقده أبطال الرواية، في طفولتهم، هو الذي رمى بهم في متاهات مدلهمة، يبحثون فيها عن النور، لكنهم يكتشفون عند نقطة النهاية، أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل، لأنهم مجرد دمى متحركة بخيطان غير مرئية في أيدي اهاليهم، ذلك الشعور الجارف، و الهادئ، المبلسم، لندوبنا، هو الذي افتقده (غرنوي) بطل رواية العطر لمؤلفها باتريك زوسكيند، فجلعته هائما في ضواحي باريس، يفتش عن عطر يجعله محبوبا، حتى إرتمى في أحضان القتل، و ارتكاب الجرائم، كي يستخرج من جثث فتياته، عبقا أثيريا، يحدد هويته.

تلك المقاربة بين الروايتين، لم تأتي من عبث، كوني قارئة متمرسة، وجدت هذا الخيط الرفيع، بين عالمي الروائيين، كلاهما يحاول من خلال الكتابة بحبر المعاناة، أن يستنبط أنانا المقموعة، كي نواجهها، بسؤال واحد: هل ما سنقدمه لأطفالنا هو موروثات تربوية، تم برمجتنا عليها لبرمجة من نسيطر عليهم بفعل غريزة التناسل، و الديمومة، أم أننا سنحاول ترميم ندوبنا، من أجل إنقاذ الاجيال القادمة؟.
نورا، لم تولد مومسا، إنما كانت طفلة مُورس عليها من والدها التعنيف، حتى مارسته على نفسها، لأنها اعتادت على التلذذ بالتضحية بجسدها، دون وعي و ادراك منها، فتلازم الجسد مع ابتذاله أو تسليعه، لم يكن واضحا أمام ناظريها.
أما عبد الرحمن الحطاب، فقد كان مجرد، مجرم، تتلمذ على أنامل أبيه زعيم المافيا، فعلمه وأد الفتيات، وجعله يبكي على اخيه المنتحر شنقا كي لايأكل روث الاحصنة، رغم انه هرب، لكن لاوعيه المعتاد، على ممارسة الجرائم، جعل من وعيه رهينة، لتصرفاته مع ولديه.
كي لا نبتعد كثيرا، عن بطل رواية مملوك، الذي تبدأ السطور بلسانه يخاطب الدكتورة، نورا، و تنتهي به كاتبا يحاول دفن الامه بين السطور، سنجد تلميذا مهذبا، حقق نفوذ والديه، ورضخ لمطالبهما، لأنه بات مجرد ماريونيت.
نادر هو مجرد نسخة مصغرة من والديه، جريمة تمشي بقدمين، خطيئة تأنسنت على يد السكسفون، و الزعيم.
هنا اعترضني الدكتور أنور الشرقاوي في كتابه ( التعلّم: نظريات و تطبيقات):
” التعلم هو عملية تغيير شبه دائم في سلوك الفرد. لا يُلاحظ بشكل مباشر لكن يستدلّ عليه من السلوك ويكون نتيجة الممارسة، كما يظهر في تغيّر الاداء لدى الكائن الحي.”
لايخفيك، من خلال مطالعة السطور، كثرة الحوارات التي أعتبرها قد ساهمت في إضعاف النص السردي، فجميعنا نعلم أن الحوار يجب أن يكون في خدمة السرد بطريقة تجعل القارئ متقمصا لأبطال الرواية، لكنك أيضا ستتلذذ بالوصف الترميزي المغاير للجسد، مما يجعلك تشعر كأنك أمام قطعة حلوى، تخاف من ابتلاعها كي لاتفقد نشوة تذوقها.
أما مالفتني، هو ان اسلوب الكاتب مملوك، عند تقديم ابطاله، بألسنتهم الروائية، مشابه لطريقة تقطيع و توازي الأصوات في رواية (وهم الأنا) للكاتب عبد الحليم حمود، وهذا التشابه سيبرز أكثر في الصفحات الاخيرة عند قيام نبيل بتفجير قنابل الحبكة، الواحدة تلو الأخرى.
لكنني شخصيا، و اعتقد أيضا ادبيا، أعتبر هذا التشابه هو نقطة بارزة لمملوك، في روايته الاولى، التي تبشّرنا بروائي واعد، سيقدم لنا اعمالا نستفيد منها في أنسنة مجتمعاتنا.
ويبقى السؤال الأبرز: هل فقدان الحب، و الاحتضان منذ الطفولة يجعلنا دون انتماء يحتوينا عند انصهارنا مع ذواتنا، نحيا طيلة عمرنا مشردين، فاقدي للهوية؟

شاهد أيضاً

القادة الكشفيون خلال اللقاء

“عُمر الشباب” لجمعية كشافة “المشاريع”

“عُمر الشباب” لجمعية كشافة “المشاريع” لمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين لتأسيس جمعية كشافة المشاريع نظمت المفوضية …