الكاتب يوسف آل ابريه
الكاتب يوسف آل ابريه

قراءة في حكاية البنت (قصائد أنثى عربية) للشاعرة هاجر البريكي

قراءة في حكاية البنت (قصائد أنثى عربية) للشاعرة هاجر البريكي

يوسف آل ابريه *

أحيانًا نقرأ عنوان ديوان لافتًا، فيشدُّنا إلى اقتنائه؛ لسبر أغواره، وأحيانًا يثيرنا إلى قراءته معرفتنا السابقة بشاعر الديوان أو شاعرته، وأحيانًا أخرى قراءتنا لقصيدة عن الشاعر أو الشاعرة قصدًا، أو مصادفة.
أراني حظيت بكلِّ هذه الأمور، فعنوان الديوان بحدِّ ذاته محرِّضٌ، ومعرفتي بالشاعرة وقراءتي لبعض قصائدها دافعٌ ومحرِّكُ، مما جعلني أُحبِّر هذه السطور الموجزة كقراءة أو إضاءة؛ لما استشرفتُ في هذا الديوان، وبما امتازت به الشَّاعرة من خصوصيات في ديوانها الذي ضمَّ 91 قصيدة توزَّعت على 144 صفحة من القطع المتوسط عن دار الأمير ببيروت 2023، والخصوصيات هي:

1- استطاعت الشاعرة أن ترسم لنفسها أسلوبًا خاصًا بها في تجربتها الشعرية، بحيث من يقرأ قصائدها يتحسس هذا الأسلوب بكلِّ وضوحٍ، فهو أسلوب السهل الممتنع، ولكنّه بطريقتها وبصمتها التي أسمّيها “قصيدة هاجر” أو “ريشة هاجر”، فهي ترسم منذ أوَّل بوح أسلوبها الخاص بقولها:

ما زلتُ هاجرَ في جنَّاتِ عزلتها
تغفو وزمزمُ يهفو جنبها مطرا

٢- برعت في عنونة الديوان باسم (حكاية البنت) فهو عنوان مدهش وجاذب، يدفعنا إلى الهرولة المحببة بين القصائد؛ لنعرف هذه الحكاية المميزة والمحملة بالدلالات. هذا العنوان المأخوذ من قصيدة من قصائد الديوان كان طريقًا لعبور الديوان ومعاينة تفرعاته، فتقول:

هذي القصائد في الأرواح ثورتها
وفي النياشين إنْ صلَّى الهوى سَكَرَا

حكاية البنتِ إنَّ الشِّعرَ يسكنُهَا
وإنَّها حين تأتي فازَ من حَضَرَا

٣- اختارت اللغة الفصحى الراقية والرقيقة والممزوجة بروح عصرها.

٤- حريتها في صدق المشاعر وعدم التزامها باتجاه معيَّن يسيطر على أسلوبها وقصائدها، فهي تكتب عفو الخاطر؛ كتنفيس عمَّا يجول بخاطرها، فتاتي القصيدة كما تشعرها وتحسُّها، لذا فبعض القصائد لبست النَّهج الكلاسيكي، وبعضها الرومانسي، وبعضها امتزج بكلا الاتجاهين دون قصد أو تعمُّد، فمن النموذج الكلاسيكي قولها في قصيدة (غصصتُ حزنًا):

وإنَّ قلبكَ أضحى فرط لوعته
صريعَ شوقٍ على الأحداث ينتحبُ

وقولها في قصيدتها (نثرت من وردي):
ما ذنبُ قلبي إذ تَسَاقَطَ نبضُهُ
فوقَ التَّمزُّقِ باكيًا مفقودا

أما النموذج الرومانسي فمن شواهده ما تضمَّنته قصيدتها (من دلَّلك)، فتقول:

ما اجهلَك!
ادنو إليكَ لأسألكْ
من اسكنكْ!
هذا الفؤاد ودلَّلكْ

وقولها أيضًا:

صباحُكَ سيِّدي أجملْ
وحينَ أقولُها أخجلْ

وأما النموذج الممتزج بالاتجاهين، وما أكثره في مجموعتها! كقولها:
اُقبِّلُ منكَ الطيفَ حتى أخالَهُ
من الشَّوقِ قُربي في المنام يراودُ

تبادلني حُبًّا وأنتَ مُودِّعي
وتقتلني شوقًا وأنتَ تُباعدُ

٥- بروز حبُّ الوطن في شعرها بشكل واضح وجلي، فهي مرَّة تتغزَّلُ فيه قائلة:

صباح الخير يا بلدي
غرامُكَ شامخٌ أبدي
غرامُكَ بسمةٌ تحكي
وصبحٌ مترفٌ وندي

ومرَّةً أخرى يتمثَّلُ في ذوبانها في بلادها، فتقول:

عمان يا درَّة الأكوانِ يا بلدي
يا قبلةَ القلبِ في أحلى معانيها

وتقول مخاطبةً عاصمة البلاد:

يا مسقطَ الخيرِ يا خضراءُ مشرعةٌ
للعاشقين ويا بابًا لمن طرقا

ومرَّةً ثالثةً يتسرَّبُ حبُّ وطنها من خلال مدح سلطان البلاد، كقولها في السلطان قابوس -رحمه الله-:

دمتَ الأبُ الميمونُ دمتَ مُبَجَّلًا
وتظلُّ تسكنُ داخلَ الأحداقِ

وتقول في مدح السلطان هيثم حفظه الله:

وهيثمُ المجدِ نسلُ الأكرمينِ هنا
من مطلع الفجرِ لبَّى صوت داعيها

٦- اهتمامها بما يدور في محيطها العربي وتفاعلها مع الأحداث، ولا سيما التي لها بُعدٌ إنساني عميق، كقضية فلسطين التي عبرت عنها بصدق موجع، وحديثها عن بغداد بمقاطع ستة مؤلمة، كقولها:

بغداد قد مرَّت على شفتيَّ
لم ترحل
تساقطتْ للرحيل المرِّ
آه كم عشقناها!

واما الجزائر فوهبتها لامية من البحر الكامل رائعة، جاء فيها:

وانا عشقتُكِ يا جزائرُ لهفةً
خلخالها شوقٌ يجيءُ عليلا

ومما اهتمت به عربيًا قضية الولد المغربي (ريّان) رحمه الله؛ لتبيِّنَ لنا أنَّ العضو إذا اشتكى تداعى له سائر الجسد، فتقول راثيةً:

ريّانُ ما ماتَ لكن فاضَ محتسبًا
عن ألف طفلٍ جريحٍ ماتَ عطشانا

ريّانُ يا دمعةً في الأرضِ قد سقطتْ
فأينعت في رُبا الناجين ألحانا

٧- تناولها لبعض القضايا الدينية مع إضفاء لمسة خاصة من اسلوبها، كحديثها عن الإسراء والمعراج، فتقول:

يا ليلةَ الإسراءِ والمعراجِ
فاضَ الحنينُ ككوثرٍ ثجَّاجِ

نورٌ على نورٍ أطلَّ بمقدسٍ
أمَّ الجميعَ بنورِهِ الوهَّاجِ

وكذلك حديثها عن وداع شهر رمضان قائلة:

ومودِّعٍ شقَّ الفؤادَ رحيلُهُ
حتى غدت كلُّ الدروبِ رحيلا

عاتبتُهُ من قلبِ مفتونٍ به
ما عدتُ أعرفُ للوصول سبيلا

٨- لم تغفل الجانب التاريخي الذي تصوّره بكلِّ اقتدار وسلاسة، وإن كان موجعًا في بعضه، كقولها وهي تتحدث عن السيدة زينب بنت علي عليها السلام والإمام الحسين عليه السلام يخاطبها:

هاتِ الرَّضيعَ أُخيَّتي لأُودِّعَهْ
فَبَكَتْ وأردَفَ إنَّني باقٍ مَعَهْ

لكنَّ سهمًا غادرًا من ظالمٍ
قد سار بين الناس يقصدُ أضلعَهْ

وأما مبيت الإمام علي عليه السلام في فراش النبي صلى الله عليه وآله فتقول فيه بجمالية وسلاسة:

تلحَّفَ بالهوى فازدادَ حُبَّا
وسافرَ للغيابِ رضًا وغبَّا

ونامَ على المتيَّة في سكونٍ
وخطوُ الغدرِ في الأنحاءِ دَبَّا

٩- أمَّا الشِّعر بحدِّ ذاته، فلكلِّ شاعر رؤيته الخاصة عنه، ولذا رأينا الشاعرة تبثُّ رؤيتها حول الشعر في أنحاء قصائدها، فتقول في قصيدتها (خنساء):

الشِّعرُ يسكنُ في حنايا وجهتي
والحبُّ يوغلُ في الفؤادِ بعيدا

وكقولها -وما أجمله من قول- :

حياةٌ بلا شعرٍ كصبحٍ بلا سما
وعمري بلا حبٍّ ككأسٍ بدون ما

وتقول أيضًا:

هو الشِّعرُ في مقلتيَّ كتابٌ
ومن يقرأُ الآن شعري أردتُ

أنا الشِّعرُ لا لست إلَّا بكاءً
سيسقطُ في القلبِ أنّى وردتُ

وقالت أيضًا:
يا أيُّها الشِّعرُ المعتَّقُ في دمي
عانقتُ فيك مجاهدًا وشهيدا

وخلاصة القول: إنَّ الشِّعرَ لديها ليس خيارًا تستطيع من خلاله الرفض أو التغيير، وإنّما هو قدر لا مناص ولا فكاك منه؛ لكونه جزء متأصل في ذاتها، في دهاليز عوالمها، ولذا خاطبت ذلك المجهول بقولها:

أنا لا أريدك شاعرًا
لكن أريدك عاشقًا للشِّعر تفهمُ ما بهِ
فالشَّعرُ أشبه أن تكون مسافرًا
وأنا أريدك حاضرًا في النبض داخل قلبهِ

*شاعر وناقد سعودي

شاهد أيضاً

الشيخ مازن حبال يلقي كلمته

إحتفالات لـ”المشاريع” في بيروت وخلدة والناعمة إستقبالاً للحجاج والعام الهجري الجديد

إحتفالات لـ”المشاريع” في بيروت وخلدة والناعمة إستقبالاً للحجاج والعام الهجري الجديد استقبالًا لحجاج بيت الله …