قراءة في رواية “وهم الانا” لعبد الحليم حمود..لوحة انسانية بالحركة والريشة !
هبة قطيش/ خاص takarir.net
يلفتك عند إلتقاطها، غلافها البوهيمي لإمرأة في منتصف العمر تنظر نحو العدم، يتمدد من رأسها ثلاث نساء أخريات متشابهات.
تختلف رواية (وهم الأنا) في تقسيمها الروائي عن الروايات التي إعتدنا قراءتها هنا يدهشنا عبد الحليم حمود بتكريس منهج ما بعد الحداثة في روايته عن طريق تقسيمها إلى جزئين:
رواية ناي فهد، و قصة ابليس أول رسل السماء المكتوبة بقلم هيلدا الأسمر إحدى شخصيات الرواية الرئيسية.
يسرد لنا الكاتب تفاصيل يوميات ناي فهد البتول المثقفة صاحبة مجلة( الرغبة) بفكر فلسفي متميز، وصديقتها هيلدا الفاسقة أسيرة النزوات ربيبة بيت الدعارة(بفعل أمها زهرة العلا القوادة الملقبة بأم عساف و أباها السكير وديع الأسمر) أو كما سمتها ناي <هيلدا الشيطانة الجميلة>.
من خلال جمجمة ناي يدخل حمود متخفيا إلى عقولنا كي يحررها من شرقيتها المتزمتة، وعبر نصوص مجلة (الرغبة)
يتسلل بدهاء الى أدمغتنا المحدودة ليناقشها بتواضع المثقف و فلسفة المفكر الوجودي طارحا لنا الجسد بتغيراته وشهواته بطهارته ونزقه ممررا لنا رسائل مشفرة عن الإيمان المرتبط بالكفر ارتباطا وثيقا، مستنتجين بإستمتاع مدهش أن أجسادنا هي رمز العبثية بكل تقاسيمها البيولوجية و النفسية.
لا يفوت مثقف ككاتبنا الذكي أن يكشف المستور في خبايا التاريخ عبر الصفحات، وإعادة تدوين الأرشيف المختزن في ذاكرته المخضرمة، وفي مجمل الأحداث يمرر بعض التابوهات بقلمه المميز دون أن يدع لك حجة لإنتقاده، بل ستشعر بالامتنان لحروفه لأنها أذاقتك لذة الانتصار على المحظورات وشبق تجريدها من أسلحتها.
شوارع الحمرا
يأخذنا صاحب (أسمر) بسرده إلى شوارع الحمرا متمشيا بين دكاكينها و محلاتها ملقيا التحية على الانتيكا المعروضة في إحدى المحال لصاحبها الكردي، يزين صباحاتنا بابتسامة (ام رامي) الجميلة بائعة الحظ و اليانصيب لمعدمي النصيب، متنقلا بحفاوة بين مقاهي بيروت و مطاعمها لاسيما الصينية، عائدا في نهاية المطاف إلى مقاعد (ام نزيه) مرهقا من اعداء الرغبة، لسان حاله يردد(جميع الطرق تؤدي إلى الحمرا).
يذهلك الراوي باسلوبه الشيق مقتفيا أثار متعرية ترقص حافية القدمين على شعاع القمر، تنير بجسدها الثمانيني دروب العتمة في قلوبنا، تتمايل على همس التماثيل مضيئة الشموع في المقامات، ثم يخبو ذكرها كأنها لم تك.
يحدثنا عن طفولة هيلدا الأسمر المغتصبة عمدا من أم عساف، الملقاة بجسدها الطفولي على طاولة القمار أمام السكارى، المختنقة تحت عفن شهوة أباها، الهاربة من وجهها وجسدها لاجئة إلى المدرسة الكلبية كتلميذة نجيبة، دون نسيان ذلك السجين في زنزانته (مكعب خارج الزمن) يتمطط بكلماته كي يستطيع جمع الأحرف بكلمة مفهومة يحدث بها كلبه المستيقظ حتى لو نام صاحبه.
حمود صاحب (زياد النبي الكافر) و مؤلف (سخافيا) رغم انعدام السخافة بين سطورها، لايفوته تمرير فلسفته الفكرية بلسان شمس المتوهجة ثقافة و رقيا فلسفيا و بعدا وجوديا، تلك الاثيرية تحسبها ملاك جالسك بروحه دون ترك أثر له حتى بين أبطال الرواية، أو موجة ضباب كشفت لنا بعد انحسارها أهمية الأنا لكينونتنا.
يغريك المؤلف بجاذبية ريشته حين يرسم لك دربا مفخخا بالتشويق يجعلك تشتعل على أريكتك بنيران تلتهمك قبل أن تلتهم تفاصيل التقاء رائد مطر الشاب الطموح الشهم بأنثاه ناي فهد الصحافية المدججة بقنابل موقوتة قيد الانفجار، يأسرك بين حيطان مبنى الإينيون متلصصا على عاشقين تحرقهما شظايا ملتحي يريد إشعال أدمغتهم برصاصته، هاربان من دوس أقدامه، لاجئان إلى العدم يظللهما نجوم تبارك هذيان جسديهما على الأسمنت.
هنا ستحبس أنفاسك، انبهارا من روعة النهايات، لكنني لن أفوت عليكم التلذذ في إكتشاف الخبايا و حل لغز الأنا.
متيقنة تماما أنك عند انتهاء صفحاتها ال ٢٦٧ ستطرح على نفسك أسئلة فلسفية رمى بذارها عبد الحليم حمود في الاميكدالا خاصتك:
هل تفوق حمود بين سطوره على (أناه) حين قذفنا بقلمه نتلاطم أمواج (وهم الأنا)؟؟
من منا لم يعش الأنا بتعدداتها؟
هل فعلا هزمنا إبليس بشرورنا ذات القرون العملاقة ؟
من زواية 《ما تحت الحمراء》:
(اما عن نفسي كقارئة متمرسة منذ طفولتي و انتقائية لا يعجبني الا القلة القليلة من الروائيين العالميين، أنا الفتاة التي قدست هاروكي موراكامي و خالد الحسيني كاسطورتين سيخلد أعمالهما القرن العشرين ،أتى مؤلف رواية (وهم الأنا) بكلماته الإبداعية محطما كل معاييري الإنتقائية ، وأقنعني بأسلوبه المرهف أننا لو إمتلكنا شهرة أولئك العالميين لكان عبد الحليم حمود مدرسة روائية ستخلدها سطور التاريخ حداثة و فلسفة و سردا،
لقد إنتصر حين أنتفض على الأنا يلوكها بأناة محارب أرهقته الأوهام).