العدل الإلهي وفلسفة الشرور
# المفكر الدكتور احمد قيس
مستهل هذه الفقرة من المفيد أن تعرف عزيزي القارئ أن أصحاب الفكر الوضعي لا يناقشون مسألة العدل الإلهي وذلك بسبب المناهج المادية التي يعتمدونها والتي لا تجعلهم يؤمنون بأي شيء خارج إطار المحسوس، كما أنه عادة تبحث مسألة العدل الإلهي عند أصحاب الفكر الديني بمعزل عن مسألة الخير والشر، ولأن هذه المسائل هي من أمهات العناوين التي تبحث في الفلسفة وعلم الكلام، كما أنها من المسائل التي تحتاج إلى شرح حتى عند أهل الاختصاص نتيجة العمق المضامين ودقة الاصطلاحات الفلسفية والمنطقية فيها كما أن هذه المسائل أيضاً قد طرحت على بساط البحث منذ المرحلة الإغريقية اليونانية حتى يومنا هذا، فتخيل معي عزيزي وضخامة هذا التراث العلمي لهذه المسائل، القارئ حجم ومدى حجم التعقيدات التي طرأت عليها نتيجة دخول العديدمن النظريات والآراء حولها، ولهذا لن نجعلك تعاني كما عانينا، ولن نجعلك تملّ من القراءة فتفرّ كالغزال.
أن هذه المسائل رغم صعوبتها فهي أساسية جداً لأن يفهمها الناس، لما لها من آثار ضخمة في فهم الإنسان
لنفسه أولاً ، ومحيطه ثانياً، وللكون بشكل عام ثالثاً هذا مع أن هذه المسائل يمكن تأصيلها من خلال القرآن
الكريم، وتقديمها للناس بشكل سلس بدون كل هذه التعقيدات المصطنعة برأينا المتواضع.
لذلك فإننا وبحول الله سوف نجتهد قدر المستطاع كافة لمعالجة هذه المسائل في هذه الفقرة بشكل يتلاءم مع المستويات الفكرية، لا سيما لجهة العبارات والمصطلحات، كما سنبذل ما بوسعنا من أجل إيضاح الأفكار في سبيل فهمها بشكل مبسط لأن فهم هذه المسائل هو المطلوب لا شيء آخر .
لكن إسمح لي عزيزي القارئ باستعراض هذه المسائل بالشكل الفلسفي والكلامي بمقدار قليل لا يتجاوز صفحة أو صفحتين في سياق البحث من باب أمانة نقل العلم من جهة، لا يقال عنّا إننا سخفنا هذه المسائل لعدم فهمنا للفلسفة أو علم الكلام من جهة أخرى. في البداية نقول : إننا سنعمد في معالجة هذه المسائل وفق المنهج (اللمّي)، وهذا المنهج يعتمد غالباً في الحكمة الإلهية، وهو يبدأ
في معالجة المسائل من الأعلى إلى الأسفل بعكس المنهج (الآني) الذي ينطلق من الأسفل باتجاه الأعلى.
وأيضاً، فإننا سنعمد إلى معالجة مسألة العدل الإلهي أثناء بحثنا في مسألة (الشرّ) لاشتراكهما في النتائج من جهة، ولتيسير وتبسيط أمر فهمها من جهة أخرى.
وكل ذلك سيكون مؤصلاً بمعنى مرتبطاً بالقرآن الكريم الذي قال فيه تعالى : مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَبِ شَيْءٍ (١) من وبالتالي هذه المسائل التي نريد التعرف عليها هي شيء من الأشياء .
وباسم الله نبدأ خلق الكون والأرض من الرؤية القرآنية هذه، يقول تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) هذه الآية المباركة دلالة على عظيم قدرة الباري روحك حيث جاءت كلمة (بديع على وزن فعيل أي كثير الإبداع، والمبدع هو الذي يخلق شيئاً من شيء آخر، كما يقال.
(1)
سورة الأنعام، الآية : ۳۸.
(۲) سورة البقرة، الآية : ۱۱۷ .
عن المخترعين إنهم أبدعوا شيئاً جديداً من خلال الاستعانة ببعض الأشياء المتوفرة لديهم، وذلك بعد تجارب عديدة وتعب وإجهاد، وقضاء الأيام والليالي في التجربة والملاحظة. أما الله سبحانه فقد أبدع السماوات والأرض من عدم، أي من دون مواد خام بتعبيرنا والمدة التي استغرقتها عملية الخلق عبارة عن أمر كن» فتحقق الأمر بـ «فيكون» وفي الآية المباركة: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَنَا كلمة (لغوب) في هذه الآية المباركة إشارة إلى أدنى درجات الجهد أو التعب،
وهي بهذا المعنى : أن الله سبحانه وتعالى قال (کن) (فكانت) كل الموجودات في السماوات والأرض وما بينهما من مخلوقات وموجودات لا يعلم بها إلا الله سبحانه ولم يمسه أي نوع من أنواع الجهد في عملية الإبداع والخلق هذه. والإشارة إلى ستة أيام هنا والله أعلم : هي عبارة عن مدة سريان القوانين الحاكمة على السماوات والأرض بعد إيجادها (بكن) فلا تعارض هنا، وهذا الرأي والاجتهاد، لنا، هذه المسألة ستة أيام تعددت فيها آراء المفسرين، وتوقف
فيها البعض الآخر.
(۱) سورة ق ، الآية : ۳۸.
٢٥٩
ومن باب المثال لتوضيح الفكرة: فإن هنالك بعض القوارب المطاطية الموجودة غالباً في الطائرات أو السفن، فإنه عند مجرد رميها في الماء تنتفخ لتأخذ شكلها مباشرة وبالقياس مع الفارق لقدرته تعالى : فكأن الإبداع حصل هنا في خلق هذا القارب مع كل لوازمه في (كن) (فكان) من
لا شيء، والستة أيام الآية المذكورة مدة انتفاخ وتشكل القارب. وأعود وأكرر (الله أعلم).
أما قوله تعالى : الَّذِي خَلَقَ سَمَوَاتِ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُ ننَزِّلُ الأمر بينَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلَمَا قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ هذه الآية المباركة إشارة إلى مسألتين :
الأولى
عدد السماوات والأرضين بسبعة من كل نوع، أما أين هن وكيف هن؟ فهذا أمر يرجع إلى الله سبحانه فإن شاء أن يأذن للعلم إماطة اللثام عنها فهذه مشيئته ، وإن لم يأذن بذلك فهي أيضاً مشيئته وإرادته.
والثانية : إشارة إلى العناية الإلهية بمخلوقاته كافة، المعبّر عنها في الآية ﴿يَنَزَلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لذلك عقب سبحانه (۱) سورة الطلاق، الآية : ۱۲ . بالقول: علَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُل
قدِيرُ بمعنى : أن الأمر ب کن فکان، ۷ سماوات و أرض وما بينهن وما عليهن،
وما فوقهن وما تحتهن، وما يرى وما لا يرى، والإحاطة والعناية بكل ذلك وما مسه سبحانه (لغوب) لأنه على كل شيء قدير.
أما قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ولين زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا م وقوله تعالى : خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ففي هاتين الآيتين إشارة إلى قدرته تعالى من خلال خلق تلك القوانين الحاكمة على الكون، فلولا وجود هذه القوانين التي خلقها وجعلها الله لما تموضعت وتركزت كل هذه المخلوقات من كواكب وأجرام سماوية في أماكنها الحالية، ولتاهت في فضاء الكون الهائل وهذا القانون الحاكم يعبر عنه بالعلم الحديث قانون الجاذبية العامة» إن ذلك بَطِلًا صحــه تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا (۱) سورة فاطر، الآية : ٤١ سورة لقمان، الآية : ۱۰
(۲)
(۳) سورة ص ، الآية : ۲۷
وقوله تعالى : خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ بيْنَهُمَا لَعِبِينَ ﴾ (١) في هاتين الآيتين نفي
إثبات للحكمة والعلم والقدرة.
أما في قوله تعالى: ﴿وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ لِتُجْزَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا يُظْلَمُونَ ) وقوله تعالى : خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ (۳)
إن هاتين الآيتين تؤكدان الحكمة من وراء الخلق والإيجاد من خلال الحديث عن الأجل، والحكمة عمل الشيء باتقان ولهدف، أما العبث فهو اللعب الباطل بلا هدف. وبناء على ما تقدم معنا، فإن الله سبحانه خلق السماوات والأرضين وما فيهن وما بينهن بقدرته وحكمته وبديع صنعه، وعنايته الدائمة ،لهن، ولأجل لا يعلمه إلا هو سبحانه كان هذا الكلام المتقدم عن الكون والأرض بشكل عام أما
عن الأرض بشكل خاص يقول تعالى : ﴿وَالْأَرْضَ فَرَشْنَهَا فَنِعْمَ الْمَهِدُونَ ﴾ (٤) (1) (۲)
سورة الأنبياء، الآية : ١٦ . سورة الجاثية، الآية : ٢٢.
(۳) سورة الأحقاف، الآية : ٣.
(٤) سورة الذاريات، الآية : ٤٨ .
وقوله : الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَمِن كُل الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي الَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (1) . وقوله تعالى : وَتَرَى الْجَبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ
اللَّهِ الَّذِي أَنْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) السَّحَابِ إن في هذه الآيات الكريمات إشارات ودلائل على قدرة وحكمة وصنعة الله المتقنة ونحن إذ نأخذ بعض الآيات على سبيل المثال لا الحصر، حيث أن القرآن الكريم زاخر بالآيات.
التي تؤكد على عظمة الخالق سبحانه . والهدف من وراء هذا كله هو التمهيد للحديث عن مسألتي العدل الإلهي ومسألة الشرور. حيث يجب أن تكون انطلاقتها المعالجة تلك المسائل المذكورة على أساس : ۱ – أن الله سبحانه موجود، وهو فرد لا شريك له، وهو صمد لا أجل له.
أنه قادر ومقتدر، وأنه حكيم لا يصدر عنه العبث، وأنه الصانع فلا خلل ولا شائبة في مصنوعاته.
سورة الرعد، الآية : ٣ . (۲) سورة النمل، الآية : ۸۸.
– أنه خلق قوانين ونواميس طبيعية في الكون جعلها
حاكمة فيه، بقدرته ومشيئته
وسيتضح معنا لاحقاً
بموضوع بحثنا معاني هذه المسائل ومدى ارتباطها.
طرق بحث مسألتي (العدل) الإلهي والشرور) في الوسط الإسلامي
تفاوتت السبل والمسالك في معالجة وحل المسائل المتعلقة بالعدل الإلهي ومسألة الشرور عند المسلمين إلى خمسة طرق، وهي وباختصار على الشكل التالي : طريقة أهل الإيمان الذين يتبعون الدين ويؤمنون بالله. فإنهم يقنعون بجواب عام ملخصه : إن الأدلة اليقينية قد قامت على إثبات وجود الله القادر العليم الحكيم، ولا يوجد دليل واحد على الله العليم الحكيم قد ظلم، لأن الله سبحانه لا
يعادي أحداً حتى يأكل حق أحد بباعث هذه العداوة، وليس بمحتاج حتى يغمط حق أحد ليختص به هو. فالباعث على الظلم إما أن يكون عقدة روحية وإما الاحتياج، ولما كان معنی له بالنسبة إليه .
الباعث على ذلك مفقوداً في حق الله سبحانه، فالظلم إذن لا ولأنه القادر المطلق، والعليم المطلق، والحكيم المطلقفإنه العليم بالنظام الأصلح والأحسن وهو القادر على إيجاد ذلك النظام، وعلى هذا ليس هناك دليل على أن الله قد خلق الكون بشكل مخالف للنظام الأصلح والأحسن، ولو كان ما
يطلق عليه البعض اسم الشرور مضاداً لنظام الأصلح والأحسن لما خلقه .
وإذا واجهت هذه الفئة مسائل لا يستطيعون الإجابة عليها فإنهم يعتبرونها لوناً من ألوان الحكمة والمصلحة المجهولة ويختص الله بالعلم بسرها، وبعبارة أخرى : فإنهم يطلقون عليها
سر القدر».
شك وليس من في أن هذا الطراز من التفكير هو لون من ألوان الاستدلال والاستدلال الصحيح أيضاً. وهذه الفئة تقول أيضاً : لنفرض أن بعض مشاكل الشرور لم نستطع تفسيرها فإن ذلك عائد إلى قصور فهم البشر عن الوصول إلى أسرار الكون جميعاً، فإذا وجد الإنسان نفسه في كون مليء بالأسرار والحكم، فلا ينبغي له أن يشكك في سرّ حكمة أو مصلحة إذا لم يصل في بعض الموارد إلى كنهها ولم يوفق إلى معرفة أسرارها.
٢ – الإخباريون أو أهل الحديث الذين يؤيدون التعبد والسكوت في المعارف الإلهية، ولهذا فهم لا يبدون وجهات نظرهم في هذه المسائل إلا ما ورد فيها نقل.
۳ – الأشاعرة لا سيما المتكلمين منهم، فقد أسهبوا هذه المسائل بشكل جيد، وإنما بقيت هذه الشروحات
خاضعة لاعتبارات خاصة بهذا المذهب .
٤ أما بقية المتكلمين من كافة المشارب المذهبية وكذلك المؤيدون للمذهب التجريبي الحسي، فإنهم جميعاً قد بحثوا في المسائل التي تنبثق من مسألة العدل الإلهي بشكل ينسجم مع ما يذهبون إليه في توجهاتهم وآرائهم ومعتقداتهم الفلاسفة المسلمون والذين ينعتون بالحكماء الإلهيين، فقد وردوا إلى ساحة البحث بواسطة (لم) أو ما يعر بالبرهان (اللمي) الذي أشرنا إليه في مستهل البحث في
هذه الفقرة، ويقول هؤلاء : إن الكون أثر من آثار الله سبحانه فهو بمنزلة ظلّه، ولما كان الله جميلاً على الإطلاق فظلّ الجميل جميل أيضاً .
ويتناولون مسألة الشرور بالشرح والتحليل، فيؤكدون أنها عدمية مجعولة بالعرض لا بالذات، ويثبتون أن الشرور والخيرات متلازمة لا ينفك أحدها عن الآخر فالكون محتاج الهما معاً . ثم يتعرضون لآثار الشرور وفوائدها ومهما كان الأمر عند هؤلاء المسلمين من أصحاب التوجهات الخمس، فإنه يمكن إدراج هذه المسألة تحت عنوانين هما :
– الترجيحات والاختلاف
مسألة الشرور .
مسألة الترجيحات:
يقصد بها تلك الاختلافات في الموجودات والسبب وراء ذلك، ويمكن شرح هذا المعنى على الشكل التالي : الموجودات بالنسبة إلى الله سبحانه متساوية فلماذا خلقت مختلفة ومتفاوتة عن بعضها؟ لماذا خلق إنسان أسود وآخرأبيض؟ ولماذا كان إنسان قبيحاً وآخر جميلاً؟ أو إنسان كاملاً وآخر ناقصاً ؟ لماذا هذا إنسان وهذا حيوان وهذا نبات وهذا جماد؟
والجواب على هذه التساؤلات يكون على نحوين :
الأول هو إجمالي وبشكل عام يعتمده المؤمنون الذين أشرنا إليهم في الفقرة رقم (۱) ، وهؤلاء يقنعون أنفسهم بأن هذه التساؤلات تطرح أمام الفكـر الـبـشـري سـلـسـلـة مـن المجهولات وليس سلسلة من النقوض ، وغاية الأمر عند يقولوا لا نعلم عندهم .
وهذه الفئة لا تضيع أوقاتها في هذه التساؤلات بل تذهب باتجاه المسائل التي تفهمها وتكون مورداً للتطبيق العملي.
شك وليس من في أن هذا الجواب صحیح، لأن عامة الناس لا تملك عادة الاستعداد والأهلية للخوض والبحث في هذه الموضوعات والمسائل .
الاستدلال
هو من باب الاستدلال وهذا النوع من طريق العلة وكمالها إلى كمال المعلول.
الثاني : وهو المتبع عند أغلب الناس إذ يعتمدون الوصول إلى الله عن طريق النظام الكوني، أي إن أساس معرفتهم هو الكون، وهذه المعرفة لا بد أن تكون ناقصة بسبب قصور هذه المعرفة عن الإحاطة الكلية بالكون وقوانينه، فعند مواجهة أي مجهول هذا الخصوص سوف يؤدي حكماً إلى الاضطراب والتشويش والحيرة.
وهؤلاء الذين يجعلون الكون أساس معرفتهم، ينظرون إلى الله وحكمته وعدله وغناه وكماله في مرآة الكون ،فقط وأي مجهول يصادفهم هذا الكون فإنه يشوش الرؤية عليهم هذه المرآة ولا يتركها تعكس الصورة بشكل واضح.
وأكثر من يطرح هذا النوع من الشبهات هم أصحاب الاتجاهات المادية، وذلك لأنهم إما فقدوا الاعتقاد والإيمان بالله سبحانه، وإما أن اعتقادهم به سبحانه ليس واعياً ومتيناً إلى الحد الذي يجعلهم يؤمنون ويصدقون بالحكمة والمصلحة إجمالاً.
كما أن معنى حصول المعرفة للعباد متوقف على مشاهدة النظام الحكيم في الخلقة هو أن هناك نظاماً قطعياً ضرورياً يحكم العالم، إلا أنهم غفلوا عن أن التوسل بالأسباب للوصول إلى النتائج أمر خاص بالعباد ولا يشمل ذات الله، فمن الممكن لله سبحانه إيصال المعرفة لعباده وبدون هذه .الطريقة وهي التي نعبر عنها بالحكمة، ومعنى حكمته تعالى معنی أنه يوصل الأشياء إلى غاياتها وكمالاتها الوجودية، أما الحكمة في الفعل الإنساني فهي عمل يؤدى من أجل وصول نفس العامل للغاية والكمال. والخلل الناشئ عند هؤلاء هو خلل بالقياس إذ أنهم ومن خلال مشاهدتهم للكون ونظامه حكموا بلزوم تبعية كل معلول لعلته، وهذا وإن كان صحيحاً في عالم الوجود، إلا أنهم طبقوا هذا الأمر على ذات الباري وبالتالي حدّوا من قدرته وإرادته المطلقة، فتشوشت لديهم الصورة واختلطت عليهم الأمور، ووقعوا بهذا الخطأ الخطير .
إذ لا وجود للترجيح في عملية الخلق، وإنما الموجود هو الاختلاف، والترجيح هو التفرقة بين الأشياء المتساوية في الاستحقاق ظل شروط موحدة.
أما الاختلاف فهو التفرقة بين أشياء غير متساوية في الاستحقاق وبعبارة أخرى : فالترجيح يكون من قبل المعطي، أما الاختلاف فيكون من قبل المتلقي .
مثال على ذلك : أنه لو أخذنا كوبين من الزجاج سعة كل واحد منهما ملل، وملأنا الأول ۱۰۰ ملل فهذا يكون هو الترجيح والثاني ب ۲۰۰ ملل أما إذا أخذنا كوبين من الزجاج سعة أحدهما.
۲ ملل
وسعة الآخر ۱۰۰ ملل وملأناهما بالماء، فإن الاختلاف بينهما لأنه ناشئ من ناحية القابلية في الاستيعاب للماء وليس من ناحية تقصيرنا بالتعبئة .
لذا كان الاختلاف في مثل هذه الموارد هو عين والترجيح فيها هو عين الظلم.
ويمكن الجواب على سؤال سر الاختلافات الموجودة بالعبارة الفلسفية التي تقول : اختلاف الموجودات ذاتي من ذاتياتها ولازم لنظام العلة والمعلول
ومعنى العرضي هذا في الكون نظامين : الأول الطولي، والثاني والمقصود من النظام الطولي هو العلة والمعلول. والترتيب في خلق الأشياء، أي الترتيب في فاعلية الله بالنسبة إلى الأشياء وصدورها منه، بدون ترتيب زمني، لأن الزمان غیر وارد هنا، بل هو نفسه أحد مخلوقات الله سبحانه والنظام العرضي هو القانون الذي يحكم الكون الطبيعي تعيين الشروط الخاصة المادية لإيجاد ظاهرة معينة. وعلى أساس هذا النظام فإن تاريخ الكون يكتسب صفة قطعية ومعينة، فكل حادثة تظهر إنما تظهر في مكان وزمان خاص بها، وأي زمان معين أو مكان خاص فهو ظرف لحوادث مشخصة .
وبعبارة أخرى، يقال في الفلسفة: كل حادث مسبوق الأمكنة بمادة ومدة، أي أن أية ظاهرة تقع في زمان خاص ومكان لا يمكن إلا أن تؤثر في كل الأزمنة وجميع معین وفي حياتنا اليومية نشاهد مثل هذه التأثيرات للنظا الطولي والنظام العرضي . فلو شاهدنا على سبيل المثال عاملاً يقوم بتصليح سجادة. وبعدها شاهدنا طبيباً يجري عملية لمريض يعاني حروقاً في
جسمه، فإننا وللوهلة الأولى لن نجد رابطاً بین هذين ولكننا إذا فحصنا جيداً لوجدنا مثلاً أن حريقاً اندلع كان السبب في إحراق المريض والسجادة معاً، وحينئذ نصدق أن عمل الطبيب ومصلح السجادة منبعث من مصدر واحد هو الحريق، لأن حادثة واحدة لو لم تكن (أي تحصل) لما اندفع هذان العاملان إلى عمليهما . ويطلق على هذا النظام في الفلسفة اسم قانون «الأسباب، أما في الدين فإنه يطلق عليه اسم «سنة الله»، كما قوله تعالى: ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (۱). أي أن فعل الله له طريقة خاصة وأسلوب ثابت لا يقبل التغيير . هذا القانون)، أن الوجود ذو درجات، وكل درجة
لها موقع ثابت وليس من الممكن أن تتخلى علة ما عن موقعها لعلة أخرى، ولا معلول لمعلول آخر، وهذا ما في الكون قانوناً يعبر عنه.
ويمكن تلخيص ما مرّ معنا حول الترجيحات والاختلافات بالنقاط التالية :
(۱) سورة الأحزاب، الآية : ٦٢ .
۲۷۲
۱ – الكون يدار بسلسلة من الأنظمة والقوانين الذاتية التي (۱) سورة الأحزاب، الآية : ٦٢ .
۲۷۲ لا تتغير، هذا فأية ظاهرة لها موقع خاص ورتبة معينة لا يمكن تغييرها ولا تبديلها.
۲ – يلزم من وجود النظام في الكون أن توجد مراتب مختلفة ودرجات متفاوتة للوجود، وهذا منشأ ظهور الاختلافات والنقص والعدم.
٣ – التفاوت والاختلاف ليسا مخلوقين، وإنما هما لازمان ذاتيان من لوازم المخلوقات، ومن الخطأ الظن بأن الخالق قد رجح بعض مخلوقاته على بعض.
٤ – الترجيح هو الذي يمكن اعتباره نقضاً للعدالة والحكمة، أما الاختلاف فهو عين العدالة والحكمة، والموجود في الكون هو الاختلاف وليس الترجيح بناء على وجود الاختلاف في الكون، فهذا يعني
حكماً وجود العدالة والحكمة الإلهية .
مسألة الشرور
وننتقل الآن للحديث مسألة عن الشرور، والتي بدورها تتفرع عن مسألة العدل الإلهي، كما أننا سنختصر المباحث الفلسفية والكلامية فيها وذلك لأننا سنعمل على تقديم نماذج وأمثلة متعددة في الفقرة التالية عن مجمل عنوان العدل الإلهي.
ونبدأ الجواب بشكل مباشر عن إشكالية الشرور مستفيدين بذلك من بحوث الحكماء المسلمين أي (الفلاسفة)، ولكن بأسلوب حديث .
ومن المفيد أن تعرف أن هؤلاء الحكماء بحثوا هذه المسألة من زاوية عناية الله وعلمه ولا يتعرضون لعلاقة الشرور بالعدل الإلهي إلا بصورة غير مباشرة. ومهما كان الأمر فإننا سنبحثها على طريقتنا بشكل سهل ومعاصر .
ينقسم الناس عادة حول هذه المسألة (الشرور) إلى ثلاثة
أقسام :
1- أصحاب الفكر الثنائي في الوجود، أو ما يعرف بثنائية الوجود.
٢ – أصحاب الفكر المادي الذين يقولون بالانتخاب
الطبيعي.
٣ – أصحاب الفكر الإسلامي الأصيل، وسنشرح معنى كلمة (الأصيل ) .
۱ – ثنائية الوجود وأصحاب هذا الفكر غالباً الفئات التي تنتمي إلى الفكر الديني بشكل عام، وهذا يعني كل
من يؤمن بوجود الخالق كالديانات القديمة أو حتى الديانات السماوية الثلاث : اليهودية والنصرانية والإسلام فلا تتعجب سيأتيك الجواب.
والشبهة عند هؤلاء على الشكل التالي : إن الوجود بذاته على نوعين : وجود متصف بالخير، ووجود متصف بالشر، فلا بد في هذه الحالة أن يكون هناك مبدأن للوجود، حيث الأول والموجودات الشريرة
الموجودات الخيرة تصدر عن تصدر عن الثاني. فكل من الشرور الخيرات تتعلق بخالق
منفصل عن الآخر خير وشر، ولا بد أن وهم يرون أن الكون منقسم إلى قسمين والشرور زائدة على الحاجة بل هي ضارة، ولهذا فهي تكون من غير الله، ومن قوة مقابل قوة الله الخيرة ويقصدون
بذلك الشرور المخلوقة من الشيطان مقابل قوة الشيطان الشريرة.
والجواب على شبهة هؤلاء التالي :
– إن أخطر ما يترتب على قول الثنائيين هذا حاولوا تبرئة الله من الشر عن طريق القول بوجود شريك له، ذلك علواً كبيراً .
وغفلوا عن أن الشيطان اللعين هو من مخلوقات الله وبالتالي كيف لمخلوق ضعيف أن يساوي الخالق القدير؟ هذا من جهة .
ومن جهة أخرى، فإن قدرة الشيطان الرجيم على الغواية والشر هي خاضعة للقدرة والمشيئة الإلهية لجهة الوسوسة حصراً، ولا سبيل لها على الخلق والإيجاد، هذا وكما سيتبين معنا أن الشر ليس له وجود حقيقي فهو عدمي ونسبي. لا نقصد بذلك أن ما يعرف في أوساط الناس باسم الشر لا وجود له حتى يقال إن هذا مخالف للضرورة، بمعنى أننا لا ننكر وجود العمى والصمم ومعنى
الشر عدمي، والظلم والفقر والمرض وغيرها، ولا ننكر أنها شراً . كما أن الذي نقصده هو أن هذه الأمور كلها من نوع العدميات» و«الفراغات، ووجودها من نوع وجود «النقائص» فهي من هذه الجهة تعتبر شراً. فهي إما أن تكون و«الفقدانات»
بذاتها عدماً أو نقصاً أو فراغاً، وإما أن تكون منشأ العدم والنقص والفراغ . فالخيرات والشرور في الكون ليستا فئتين متميزتيـ ومنفصلتين عن بعضهما كما تتميز بذلك الجمادات والنباتات
والحيوانات .
ونحن مخطئون إذا تخيلنا أن للشرور صفاً معيناً الأشياء تكون شراً محضاً لا خير فيها، أو أن الخيرات لها صفاً آخراً متميزاً تكون ماهيتها خيراً محضاً لا شر فيها.
والصحيح أن الخير والشر ممزوجان مع بعضهما ولا يقبلان التفكيك ولا الانفصال. فأينما وجد في الطبيعة شر فهناك يوج جد أيضاً خير، وأينما وجد خير فالشر أيضاً فيه موجود، والتركيب بينهما هو من نوع تركيب الوجود والعدم.
والوجود والعدم لا يشكلان في أرض الواقع منفصلتين، فالعدم نفي وفراغ ولا يمكن أن يحتل موقعاً خاصاً مقابل الوجود، بل إن الخيرات هي عين الوجود والشرور عين العدم.
وعلى سبيل المثال : الجهل هو فقدان للعلم أي عدم العلم والعلم كمال واقعي حقيقي ولكن الجهل ليس واقعياً، فعندما نقول إن الجاهل هو فلا يعني ذلك أن هذا فاقد العلم الشخص يتمتع بصفة خاصة اسمها فقدان العلم، فالعلماء كانوا قبل تعلمهم العلم جهلاء، وعندما تعلموا فهم لا يفقدون شيئاً وإنما يظفرون بشيء، فلو كان الجهل له واقعاً حقيقياً لرافق تحصيل العلم فقدان شيء وهذا لا يحصل فالجهل عدم.
والفقر كذلك ليس هو فالفقير هو إلا عدم الفاقد للثروة وليس هو الملك وليس ملكاً
لشيء المالك لشيء ء اسمه الفقر، فكما أن الغني هو المال للثروة فهل أن الفقير هو المالك للفقر؟ فلا توجد هنا ملكية اسمها الفقر. وهذا هو معنى الشر عدمي محض .
أما والفراغ معنی انه أن الشر نسبي هو يكون منشأ للعدم والنقص فنحن عندما نطلق على الحيوانات المفترسة اسم الشر لا يعني ذلك أن ماهيتها شراً محضاً ، وإنما لأنها تؤدي إلى سلب الحياة من مخلوق آخر، فالشر في هذه الحالة إنما هو فقدان الحياة، ولو لم يؤدِ ذلك إلى فقدان الحياة عند المخلوق الآخر
فإنه لا يصبح شراً.
وعلى سبيل المثال : الأسد عندما يفترس الغزال فإنه بذلك يؤمن خير وجوده في الحصول على الغذاء، أما بالنسبة إلى الغزال فإن هذا الفعل هو شرّ بالنسبة إليه لأنه أفقده الحياة، وهو بهذا الاعتبار خير الأسد وشر بالنسبة للغزال . والغزال عندما يلتهم النباتات في الأرض، فهذا الفعل هو للغزال وشرّ للنباتات لأنه أفقدها وأعدمها وجودها. فالعدم والوجود كمثل الشمس والظل، فالشجرة عندما
تشرق عليها الشمس ينتج خلفها فراغاً محروماً من نور الشمس هو الذي نسميه بالظل. فما هو الظل إذن؟ هو الظلمة، والظلمة ليست شيئاً سوى عدم النور، وعندما نقول : إن النور
قد شع من الشمس فإنه لا يجوز لنا أن نسأل :
من أين يشع الظل أو ما هو مصدر الظلمة؟ فالظل والظلمة لم يشعًا من شيء وليس لهما مبدأ ولا مصدر مستقل.
وهذا المعنى المتقدم يعبّر عنه بالقول : إن الشرور ليست مجعولة بالذات وإنما هي مجعولة بالتبع والعرض وبناء على ما تقدم فإن الشرور على نوعين : الشرور التي بنفسها أمور عدمية، والشرور التي بنفسها ولكنها تتصف بالشر لكونها تؤدي إلى سلسلة العدمية .
فالشرور التي بذاتها أمور عدمية كالجهل والمرض والفقر فهي صفات حقيقية أي غير نسبية) ولكنها عدمية.
أما الشرور التي بذاتها أمور وجودية ولكنها تتصف بالشر لأنها منشأ أمور عدمية مثل : السيول والزلازل والزواحف السامة والحيوانات المفترسة والأمراض فإن الشر فيها صفة انسية .
فسم الحية ليس شراً للحية نفسها وإنما هو شر بالنسبة إلى الإنسان أو الموجودات الأخرى التي تجد ضرراً واحداً منه. وعليه يكون الجواب على الثنائيين : أن في الكون نوعاً من الوجود فحسب وهو الخير، وأما الشرور فكلها من نوع العدم، أو منشأ للعدم، والعدم غير مخلوق فهو ما لم
العدل الإلهي وفلسفة الشرور.
يخلق وليس هو الذي قد خلق. وعلى هذا البيان فلا صحة المقولة إن للكون خالقين: أحدهما للموجودات والآخر للمعدومات.
أصحاب الفكر المادي الذين يقولون بالانتخاب الطبيعي، فهؤلاء تنطلق شبهتهم من أصل فكرة الخلقة لديهم، إذ يعتقدون بأن قانون البقاء للأصلح هو الحاكم في الكون، وعليه فإن مسألة الشرور يعزونهـا إلـى عـدم الأهـلـيـة أو الصلاحية في المخلوق، الضعيف وهم بهذا المعنى لا يرونها شروراً بل انتخاباً طبيعياً ينتج عنه سلالة أقوى، وهذا هو الخير برأيهم.
فالكائن الأول الأحادي الخلية اندثر وانعدم لصالح الكائن ذو الخليتين وهكذا إلى القرود ومن القردة إلى الإنسان، وحتى ضمن النوع الإنساني فإن للأقوى حق البقاء على حساب الضعيف !
والسؤال الذي نوجهه إلى هؤلاء : إذا كان تطور الإنسان من القرد على اعتبار أن الإنسان هو الأقوى والأصلح من القردة في البقاء والانتخاب الطبيعي، إذا كان كذلك فلماذا نجد في العالم آلاف أنواع القردة ما تزال موجودة يا قرود؟
وعلى كل حال فإننا كنا قد ناقشناها ودحضنا أفكـارهــم في كتابنا حوار جديد مع مع الفكر الإلحادي.
فيمكنك عزيزي القارئ الرجوع إلى هذا الكتاب للتوسع حول هذا الأمر.
٣ – أصحاب الفكر الإسلامي
الأصيل، ونعني بالأصيل هنا أن هو إيمانهم بالله وملائكته ورسله وكتبه مبني على فهم
صحيح وعقيدة ثابتة مؤصلة تأصيلاً حقيقياً، وهم الذين بحثوا مسائل الوجود بشكل عام من خلال القرآن والسنة والعقل، فظفروا بالأجوبة القائمة على أساس الحكمة والعدل والرحمة، فاستسلموا للمشيئة الإلهية وقلوبهم مطمئنة بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
والذين وصلوا إلى مرحلة الفهم واليقين بأن للشرور فوائد تكاملهم الإنساني، حيث أنها تصقلهم كما يُفعل ذلك مع حجر الألماس، ليسطع نورهم ويشع في فضاء هذا الكون رغم معاناتهم في عملية الصقل هذه، فهم يؤمنون بأنهم بين يدي أرحم الراحمين، وبالتالي لن يظلمهم أبداً .
وما أروع تعبير السيدة زينب حول هذا المعنى، فبعد استشهاد إخوتها ظلماً في كربلاء، وقطع رؤوسهم نساء ووضعها على الرماح، وسبي بنات بيت النبوة وأخذهن في موكب تتقدمه هذه الرماح المغروزة بها الرؤوس ، ووقوفها أمام الحاكم الظالم الذي سألها : كيف رأيت صنع الله بكِ وبأخيكِ
العدل الإلهي وفلسفة الشرور الحسين ؟ فأجابته بيقين جدها رسول الله وفصاحة وإيمان أبيها علي بن أبي طالب : والله ما رأيت إلا جميلاً.
والمقصود من الجمال هنا ليس ذلك الشر المستطير الذي حاق بها وبإخوتها أي بآل البيت عموماً، بل الجمال ها هنا هو بالنتيجة المترتبة عن هذا الشر، وهو العوض والكرامة الإلهية لهم جميعاً، وهذا ما يتلمسه المسلمون والناس أجمعين حول العالم، من خلال بقاء ذكرهم، وعلوّ شأنهم، وشخوص
-أضر إلى عنان السماء، وما يحصل فيها من كرامات بإذن الله ومشيئته، فإن لم يكن هذا الجمال فأين وكيف يكون الجمال؟
وحول هذا المعنى أيضاً يقول الإمام الشافعي
يا من تغتر بالدنيا وزينتو
:
الدهر يأتي عـلـى الـمـبـنـي والـبـانـي
ومن يكن عزّه الدنيا وزينـتـهـا
فعزه عن قليل زائل فاني
واعلم بأن كنوز الأرض من ذهب
فاجعل كنوزك مـن بــر وإيمان
أما الخيام فيقول في رباعيته : سنفنى وهذا الكون سوف يدوم
وتذهب أسماء لنا ورسوم لم نكن والكون كان منظماً
كما سنفنی ويبقى بعد وهو نظيم
وقد رويت هذه الحادثة التي حصلت مع النبي
حيث أنه دعي إلى بيت أحد من المسلمين، فلما حلّ فيه لاحظ دجاجة تبيض على جدار البيت ثم لم تقع هذه البيضة، أو وقعت ولم تنكسر، فتعجب رسول الله من ذلك، فقال له صاحب الدار أتعجب يا رسول الله؟ قسماً بالله الذي اصطفاك نبياً إنني لم أصب أبداً بأذى، فنهض رسول الله وغادر المنزل وهو يقول : من لم ير مصيبة أبداً فهو بعيد عن لطف الله».
وعن الإمام جعفر محمد الصادق بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل.
فالبلاء لأحباب الله : إن أشد الناس هو لطف مغلف بالعذاب، كما أن النعم والعافية للضالين والظالمين فهي وقهر بصورة لطف . بصورة نعمة، فلو لم يوجد الشر والقبح لم يكن للخير والجمال معنى
العدل القبائح الحملة، فكما الخير ناحية سعادتنا هرى عنه بالإسلام.
# من كتاب “العدل والعدالة”