الدكتور عباس خامه يار
الدكتور عباس خامه يار

الوفاق..تاریخٌ من مصداقیة القول وتأثیر الکلمة

الوفاق..تاریخٌ من مصداقیة القول وتأثیر الکلمة

د. عباس خامه يار/ جريدة الوفاق الايرانية

یجمعنی بـ”الوفاق” تاریخٌ جمیل وشهادتی به “مجروحةٌ” کما یقال بالعربیة العامیة. لقد کنتُ من أولئک التوّاقین لتأسیس منبرٍ ناطقٍ بالعربیة فی إیران، مثلی مثل کل الذین حملوا فی ثقافتهم اللغتین فکانت العربیة بالنسبة إلیهم اللغة الأم “الثانیة”. وکثیراً ما دار الحدیث والتشاور بینی وبین زملاء لی فی العالم العربی حول ولادة صحیفةٍ إیرانیةٍ ناطقةٍ بالعربیة، فکان هذا بمثابة الحلم للطرفین اللذین طالما کانا یرغبان بتقریب الثقافتین وتبادل الفکر عبر اللغة. هکذا انتظرتُ ولادة “الوفاق” ما قبل ولادتها. ورغم ذلک فلم أکن أتوقع أو أظن بأنی سوف أتولى منصب رئیس تحریر هذه الصحیفة یوماً؛ لکنه القدر وتوفیق الله أن تحقق ذلک واستلمت تلک المسؤولیة لعامین فی ٢٠٠٣.
منذ البدایات، حاولتُ أن ألبسَ “الوفاق” ثوباً جدیداً مختلفاً على صعید القالب والمضمون، أفادنی لتحقیق ذلک ذوقی وخبرتی وعلاقاتی مع الکتّاب والأدباء والمفکرین والسیاسیین العرب فی مختلف أنحاء العالم. هذه العلاقات التی زادتنی معرفةً بثقافات الشعوب العربیة واختلافاتها الطفیفة، الأمر الذی تقتضیه عملیة انطلاق أی صحیفة ناطقة بالعربیة لتکون ذات بصمةٍ ومصداقیة. ربما لا أستطیع تحدید ما إذا وفقت فی هذا الأمر وإلى أی حدٍ نجحت؛ لکن الأمر متروکٌ لرفاق الدرب آنذاک والذین ثمة منهم مَن لایزال یمارس المهنة فی هذه الصحیفة، کما لا ننسى تقییم القراء، إیرانیین وعرباً؛ لکن ما عرّفنی أهمیة الصحیفة ودورها المرتقب وموقعها فی الوطن وخارجه، کان إصطفاف النخب المثقفة والسفراء العرب المعتمدین فی طهران آنذاک لزیارة مقر الصحیفة حاملین سلال الزهور مهنئین ومبارکین. قطعنا أشواطاً وواجهنا التحدیات المختلفة، فکانت “الوفاق” کالإبن الذی استثمرنا فیه کل جهودنا حتى نراه کاملاً متکاملاً. کان الطریق ومازال شائکاً، فانطلاق صحیفة ناطقة بإسم الدولة بشکلٍ رسمیٍّ وغیر رسمی فی بلدٍ فیه الکثیر من مقومات الثقافة والحضارة والفن والأدب والعلم والفکر، أمرٌ لیس بالسهل، لاسیما فی بلدٍ یحمل نظاماً قیمیاً ومفاهیم قیمیة ومبادئ إنسانیة؛ وفی الوقت ذاته یواجه تحدیاتٍ کبرى على المستوى الدولی والإقلیمی، وتقف أمام حربٍ نفسیةٍ وإعلامیةٍ شرسة تشنّها أعظم الإمبراطوریات الإعلامیة تمویلاً وعدةً وعتاداً..
مع ذلک، فإن الظروف الیوم تبدو أکثر صعوبةً، بفعل ما خلفه وباء کورونا خلال السنوات الأخیرة من جهة، ومن جهةٍ أخرى بسبب الوباء الإلکترونی الذی تفشى فی فضاء الصحافة التقلیدیة والکتاب الورقی والمجلات والجرائد الورقیة. طبعاً لا یمکن تجاهل شریحة کبیرة من المثقفین الذین لم یستطیعوا أن یهجروا الورق رغم إغواءات المجاز والفضاء السیبرانی، فبقی الورق الأصفر نابضاً بالنسبة إلیهم، رغم اصفراره
وعمره. بذلنا جهوداً کبرى، والأهم بالنسبة إلینا کان المصداقیة والأهداف السامیة واللغة التسامحیة التی اتسمت بها “الوفاق” فکانت اسماً على مسمى وسارت فی طریق جمع شمل الأمة والتقریب ما بین الثقافات والأفکار.
الیوم تحظى “الوفاق” بمصداقیة جیدة وینبغی أن تکون بمثابة المرجع والمصدر الأساس لمراجعة المواقف السیاسیة والثقافیة والفنیة والفکریة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة.
أما الأسلوب، فتتسم “الوفاق” بجزالة الصیاغة وبساطة تقدیم الفکرة والإیجاز والسرعة فی إیصالها. وهو أمرٌ مطلوبٌ لاسیما فی عصر السرعة الذی نعیشه، حیث تضاءل عدد جمهور الکلمة المکتوبة مع وجود الرغبة بالحصول على أکبر قدرٍ من المحتوى فی أقل وقتٍ ممکن.
نسعى جاهدین کعادتنا، أن نکون منبراً للکاتب العربی والإیرانی الناطق بالعربیة، ولنکون منصةً واقعیةً یزورها القارئ العربی للتزود بکل ما یحتاج إلیه من أفکارٍ ومواقف وآراء. وهنا تکمن أهمیة الصحافة الموضوعیة، التی تضع الوقائع کما هی فی ید القارئ فیکون دورها کبیراً فی عملیة نشر الوعی وصناعة الثقافة. فی الختام، لا یسعنی إلا أن أبارک للـ”وفاقیین” الشرفاء فی عید إصدار عددهم الـ ٧٠٠٠.
أبارک لجمهور “الوفاق” کتّاباً ومحررین، قرّاءً ومتلقین.. أینما کانوا عبر العالم وحیثما حلّوا.

شاهد أيضاً

الشريف مسلّماً الدرع لقيس

درع نقابة الأشراف للمفكر اللبناني احمد قيس تقديراً لموسوعته “المقامات والأضرحة المقدسة في فلسطين”

درع نقابة الأشراف في مصر والعالم للمفكر اللبناني احمد قيس تقديراً لموسوعته “المقامات والأضرحة المقدسة …