المشاركون في الندوة
المشاركون في الندوة

ملامح النموذج الاستراتيجي عند الشهيد سليماني (من مقاومة الإحتلال إلى تقويض الهيمنة)

ملامح النموذج الاستراتيجي عند الشهيد سليماني (من مقاومة الإحتلال إلى تقويض الهيمنة)

نظمت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان والمركز الإستشاري للدراسات والتوثيق في الذكرى السنوية الأولى لإستشهاد الشهيدين الكبيرين اللواء قاسم سليماني وابو مهدي المهندس، ندوة بعنوان: ملامح النموذج الاستراتيجي عند الشهيد سليماني (من مقاومة الإحتلال إلى تقويض الهيمنة)، بحضور عدد من الشخصيات والنخب الثقافية والفكرية والسياسية والعلماء، وذلك حضورياً في مجمّع الامام الخميني الثقافي وعبر تطبيق زوم، وكان من بين المشاركين شخصيات من دول اسلامية وعربية وعالمية، من بينها العراق، ايران، لبنان، اليمن، مصر، سوريا.

بداية عرض لفيلم قصير، ثم تقديم من مدير الندوة الكاتب والباحث مصطفى بيرم.

خامه يار

افتتح المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان د. عباس خامه يار الندوة بكلمة، فاعتبر أنه “في هذه الذكرى السنوية الأولى على استشهاد القائد البطل الحاج قاسم سليماني، نُحيي باسم الله ذكراه، مجددين العهدَ هنا من هذا الجمع الكريم وبحضورِ ثلةٍ من الأحبة ومن عشاقه والعارفين بنهجه وشخصيته، فكل الشكر والتقدير لكم وللحضور الكريم على وجودكم الكريم هنا”.

وأضاف د. عباس خامه يار: لا بد من الإشارة في حضرة الشهيدين سليماني والمهندس إلى الأمور التالية:

أولاً: إن الشهيد سليماني كان أخطر رجل أعاق المشروع الأمريكي والإسرائيلي في الشرق الأوسط وفي منطقتنا. وهذا ما ميّز فكره الاستراتيجي حيث أنه عرقل عجلةَ اتفاقية سايكس بيكو 2 ووعد بلفور 2، وذلك من خلال تأسيسه منظومةً مقاوِمةً في المنطقة غيرت موازين القوى لا سيما في المواجهة مع العدو الصهيوني وأفشلت أكبر المخططات التي كانت ترمي إلى تفتيت المنطقة وتقسيم الدول.

وقد قاد بنفسه ميدانياً حركة الإطاحة بمشروع الشرق الأوسط الجديد من خلال مقارعة الاستكبار في كافة الجبهات، حيث كان الأب الراعي لكل فصائل المقاومة الفلسطينية والحاضر في كل عملياتها في الميادين والساحات. فلقد كان العقل المدبر والمعمار والزعيم الرئيسي لمواجهة المشروع التقسيمي والمشروع التكفيري في نفس الوقت.

ثانياً: هو مفكرٌ استراتيجيٌّ بامتياز ومخطط. كان يتمتع ببنيةٍ استراتيجية ذكيّة وكانت له استشاراتٌ مع الجميع ويخوض مباحثاتٍ عميقةً حول مسائل المنطقة والوضع الدولي.

لقد مثّل المدرسة العسكرية النموذجية على مدى عقود. حتى أن الكثير من الخبراء والضباط المشاركين في حرب 1967 يؤكدون على أنها يجب أن تدرّسَ في الجامعات والأكاديميات الحربية.

ثالثاً: كان رائداً في الدبلوماسية الجهادية بل ربما هو الذي أبدعها، في نفس الوقت الذي كان فيه جهادياً مقاوماً في الجبهات ومحارباً الاستكبار والاستعمار. فكان بالتزامن مع جهاده يحلّ القضايا السياسية بذكاءٍ قلّ نظيرُه كما فعل في قضية كردستان العراق نموذجاً. فكان دوره السياسيّ في ظل الأزمات الداخلية بارزاً، حيث كان قائداً تتخطّى قيادته وإدارته العسكرية والتنظيمية وتشكيله الجيش الدولي وقواته، حدود الوطن، والإقليم والفصائل والمذاهب والمجموعات.

رابعاً: كان قارئاً جيداً، يقرأ الكتب. حتى وسط الحرب والمواجهة، كانت معه دواوين الشعراء. حتى أنه عند استشهاده كان يحمل معه ديوان أحد الشعراء. فلقد كان مثقفاً بامتياز ويدعم الثقافة والفكر والمطالعة والعلم مؤمناً بأنه سلاحٌ لا يقلّ أهميةً عن الجهاد. وفي هذا الصدد، تم نشر 500 إلى 600 كتاب حول مسائل المنطقة تحت إشراف الشهيد سليماني. وهذا كان أكثر ما صدر على مدى 50 عاماً في هذا المجال.

خامساً: لعلّ إنجازات قاسم سليماني العسكرية غطّت وطغَت على خصائصه الإنسانية والعاطفية والأخلاقية فهو في الأذهان “العقيد” الذي لا يتصور أحدٌ أنه كان يبني مع البنّائين ويمشي حافي القدمين، وأنه ينزعج أمام المديح والألقاب وكان لا يرى نفسه أكثر من جنديّ! فهو الذي عرف القيم الإنسانية السامية منذ نعومة أظافره، وتجرع ثقافة الأولياء والصالحين ونمط حياتهم ومنظومتهم الأخلاقية. كان بعد كل ذلك ورغم كل ما ذكرناه، نموذجاً للعاطفة والإحساس، فمع صموده ومقاومته وجهاده وبطوليته، كان ينهار أمام دموع طفلٍ أو طفلةٍ يتيمةٍ أو شابٍ شهيد، أو أمام من حلت بهم كارثة أو بلاء.

حياته الخاصة كانت غايةً في البساطة، بلا ترف وبلا كماليات. وكان مضربَ مثلٍ في قربه من الناس مما يجعله قدوةً للكثير من المسؤولين ورجال السياسة.

كان عزيز الديار وحامي الأوطان، قائد القلوب والعشق والمحبة. نطق بالحق في كل قول وقال كل شيءٍ ومضى حرّاً.

كان رقيق القلب عطوفاً فكان مصداق “أشداء على الكفار رحماء بينهم”. ولم يكن يستعظم ما يفعل من إنجازات بل كان دائماً ما يرى نفسه العبد الفقير إلى رحمة الله ولطفه.

يروى أنه حين كان والداه على قيد الحياة، كان يزورهما حيثما سنحت له الفرصة أسبوعياً دون انقطاع، وكان يقبّل أيديهما وأقدامهما.

إنه بهذه الصفات، يعدّ النموذج الذي أثبتَ وأظهرَ للعالم أن الاستكبار لا يمكنه الولوج إلى وجدان المقاتل الإيراني لأنه يراه عسكرياً ندّاً له لا أكثر. لكن سليماني القابع خلف سترة القتال وخوذة الحرب، هو ذاك الإنسان الذي يوصل الدواء والمواد الطبية والتجهيزات الاستشفائية إلى بلاده المحاصرة اقتصادياً.

هو الرجل الذي يأتي حافيَ القدمين في المسيرات الكربلائية باكياً مع الباكين مطأطئاً رأسه الشامخ خجلاً.

هو الذي ينزعج للمديح لأنه لا يرى شأنه ولا يرى عظمةَ عمله. فتراه بين المدافعين يسألهم وبكل قناعةٍ وصدق: هل إذا متُّ سوف تقرّون عند قبري بأن هذا الرجل كان صالحاً ومؤمناً؟ هل أنا حقاً صالحٌ برأيكم؟ فلتقولوا ما ترونني عليه عند قبري.

هو الذي يوصي زوجته وعياله بأن لا يكتب على حجر قبره سوى كلمة “جندي!”

سادساً: هو الرجل الوطني الذي آمن بحركات التحرر العالمية واستشهد في قلب الميدان وليس خارج الجبهات فاستحق لقب أيقونة التحرر الأمم.

كان مدرسةً من العقلانية، الإيمان، الإخلاص والشجاعة. كما كان بالنسبة إلى الجميع، فوق الاتجاهات السياسية والتيارات في الداخل والخارج. فكان الجميع يحبونه، الإيزدية والسنة والشيعة والمسيحيين بكل طوائفهم والأكراد في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان وباقي الدول. كذلك في الداخل الكل يحبه وعلى علاقةٍ طيبة معه من الإصلاحيين إلى الأصوليين.

سابعاً: لقد كان عاشقاً للشهادة على مدة أربعةِ عقود. إنه العشق الإلهي! فكانت عيناه وهو يتحدث عن أمنية الشهادة، تشهدان على حقيقة العاشق في داخله، الذي ينسى نفسه ويذوب في المعشوق الذي هو الله الذي يشرق عشقه على كل الكون كالشمس فلا يبقى للموجودات نورٌ سوى نوره حتى تبلغ البشرية مبتغاها. فالنقطة الأساسية في شخصية الشهيد سليماني هي أن معشوقه لم يكن السلطة ولا المال ولا الجاه ولا الأشخاص وإنما كان معشوقه الله عز وجل وحده.

دافع العشق والإيمان كان جليّاً في رقة قلبه ولينه، هو الذي كان يبكي وهو البطل المقدام الذي حفرَ المجدَ بخُطاه وروى الترابَ بدمائه.

ثامناً: إلى جانب الإخلاص، فإن أهم صفاته كانت “الثقة بالله”.

هذه الصفة هي مصدر الإخلاص وجذوره. فمن يتمتع بصفة الإخلاص عليه أن يحمل في وجدانه صفة “الإيمان بوعد الله والثقة بالله”. فالإخلاص في الأصل ناشئٌ عن روح الثقة بالله فكلنا نعلم بأن لا شيء يضيع عند الله.

تاسعاً: كان الشهيد سليماني يعيشُ الشهادةَ ويتنفّسُها، فنراه يردد دائماً على مسامع التواقين للشهادة بأن الشخص الذي لا يعيش الشهادة في حياته وفي سلوكه لن يموت شهيداً. فالشرط الأول للحصول على الشهادة هو أن يعيش الإنسان شهيداً، أي أن يكون شهيداً حياً كما كان رفيق دربه الشهيد أحمد كاظمي يقول دائماً.

إن الإخلاص هو المفتاح الذي يوصلنا إلى السماء. وهذا تفسير الحديث الشريف: “موتوا قبل أن تموتوا”.

بعد ذلك ختم خامه يار كلمته قائلاً:

الشهيد سليماني هو المناضل الأممي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، أنسَى العالم أسماء أممية كبيرة كانت من قبله، ونراه منذ استشهاده حتى اليوم، كيف يتعاظمُ في ذهن الأحرار حيث أنه بعد عقودٍ وحتى مئات السنين سيكون بطلاً تاريخياً تدرّسُ مدرسته في الكتب. فهو أيقونة التحرر الوطني والاستغناء عن كل ما يذلها من أصحاب إرادة الشر والهيمنة والاستعباد.

نستخلص بأن قاسم سليماني كان القوة الذكية لإيران المقاوِمة بشكلٍ عام والمركبة من القوة الناعمة والصلبة في حياته وفي استشهاده. إن الشهيد قاسم سليماني اليوم هو أخطر على الأعداء والاستكبار من قاسم سليماني. فرحيله ليس خسارةً بل منعطفٌ سيزيده هذا الاستهداف زخماً.

وقد وصف الإمام القائد في لقاءٍ جمعه باللواء سليماني عام 2005م، بأنه استشهد مراراً في ساحات الحرب فكان يلقبه بالشهيد الحي قائلاً: “إن الله سبحانه وتعالى قدّر أن تبقى هذه الثلة حيةً لتعمّ بركات وجودهم على بلدهم وللعالم الإسلامي أيضاً.

سليماني جامع الأطراف، جامع الأبعاد العسكرية – الأخلاقية – العرفانية وجميع الصفات معاً. وهي صفاتٌ فيها الكثير من التناقض.

مدرسة الشهيد سليماني هي مدرسةً للبصيرة والوحدة الوطنية وحوار الأديان وتقريب المذاهب.

مثل الشهيد سليماني جبهة الاستضعاف بكل قوة، جبهة الإيثار والمقاومة وطلب الشهادة. وأظهرَ نمطاً جديداً للحياة فكان خيرَ حاملٍ للراية، قُطِّعت يداهُ وهو يحامي عن دينه وقطّع جسده إرباً إربا.. فما أشبهَه بسادة شهدائنا وما أعظم نهجه الحسينيّ الذي يحيا كلما ارتوى من دم شهيد.

فسلامٌ عليك يوم ولدت ويوم استشهدتَ ويوم تبعثُ حيا…

فضل الله

من جهته الدكتور عبد الحليم فضل الله، رئيس المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق ألقى كلمة افتتاحية أيضاً بصفته مشاركاً في الدعوة للندوة مع المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان، وجاء فيها:

يشرّفني أن أكون بينكم في هذه الندوة التي تعقد بمبادرة من المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية وبمشاركة من المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق في تأبين إحياء ذكرى الشهيدين الكبيرين، الحاج قاسم سليماني والشهيد ابو مهدي المهندس، وذلك من أجل قراءة ربما هي الأولى في النموذج الاستراتيجي الذي قاده الشهيد سليماني، ولا تخلو هذه المهمة من صعوبة بما تنطوي عليه شخصية هذا المجاهد العظيم وتجربته وأدواره وتاريخه الجهادي من انجازات ودروس غنية متعددة الجوانب.

وأضاف: لقد عمل هذا القائد الكبير بصمت وتصميم وغالباً خلف الخطوط في مسرح مكشوف وواضح المعالم وشديد التعقيد في آن معاً، خاض جهاده في ساحات متشابكة، وفي مواجهة جبهة من الأعداء وفي ميدان مترام الأطراف، وببيئات اجتماعية وسياسية متباينة ومتنافرة.

لقد خاضت قوى المقاومة صراعاً طويلاً مع الإحتلال الصهيوني، وتوّجت المقاومة الإسلامية هذا المسار التي شاركت فيه قوى متعددة الإنتماءات والغايات والايدولوجيات، توّجت المقاومة ذلك بتوليد النموذج المؤسس للصراع مع العدو الإسرائيلي في 25 أيار عام 2000، من خلال إجلاء الإحتلال بقوة السلاح دون قيد أو شرط.

وختم فضل الله: لقد عرفه خصومه وأعداءه مثل ما عرفه حلفاؤه وأحباؤه، ربما عرفه الخصوم والأعداء أكثر لفرط ما تمعّنوا وتمعّن هؤلاء في شخصيته، ولشدة ما عانوا في مواجهته، فقد رأوا عن كثب كما يعترف بذلك جنرالات أمريكيون، ما اتسمت به قيادة سليماني من براعة وقوة وعزيمة وقدرة فائقة على استعمال الموارد، ومرونة في تحريك القوات على مسرح واسع، وسرعة الوصول إلى أرض الميدان. فسلام على روحه المقاومة والمجاهدة وعلى روح الشهيد ابو مهدي المهندس وعلى الشهداء جميعاً، شهداء المقاومة، مقاومة الإحتلال ومقاومة الهيمنة، وكل المقاومات العربية والإسلامية، والمقاومة العالمية التي تبحث عن فجر جديد تستمده من دماء هؤلاء ومن النماذج التي يقدّمها هؤلاء.

متحدثون

وتحدث في الندوة أيضاً، المفكر والكاتب الفلسطيني الأستاذ منير شفيق، الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي د. زياد الحافظ، الباحث في الشؤون الدولية من سوريا د. بسام ابو عبد الله، مدير المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن الأستاذ معن بشور، منسق شبكة أمان الأستاذ أنيس النقاش.

وتحدث من مصر الباحث والأكاديمي د. عبد الخالق فاروق، ومن العراق الأستاذ محمد صادق هاشمي، مدير مركز دراسات العراق.

وتحدث من جهته الأستاذ في الحوزة الدينية الشيخ محمد زراقط، وحميد رزق من اليمن.

وفي الختام تحدث السيد عيسى الطباطبائي.

شاهد أيضاً

الشيخ مازن حبال يلقي كلمته

إحتفالات لـ”المشاريع” في بيروت وخلدة والناعمة إستقبالاً للحجاج والعام الهجري الجديد

إحتفالات لـ”المشاريع” في بيروت وخلدة والناعمة إستقبالاً للحجاج والعام الهجري الجديد استقبالًا لحجاج بيت الله …