الدكتور محمد حسين بزي
الدكتور محمد حسين بزي

محمد حسين بزي بين الشعر و الفلسفة: تعميم ثقافتي المحبة والحوار! 

في حوار شامل مع مجلة Time TV غاص في طفولته والتحديات الثقافية والاجتماعية 

محمد حسين بزي بين الشعر و الفلسفة: تعميم ثقافتي المحبة والحوار! 

خاص takarir.net

الدكتور محمد حسين بزي هو شاعر وأديب وكاتب ومحقق لبناني ويحمل دكتوراه في الفلسفة والإلهيات وهو من مواليد مدينة بنت جبيل المدينة الجنوبية العريقة والعصية على الاحتلال ومنبع الصمود والتصدي للعدو وشعلة المقاومة في العام 1971.

 وفي نتاجه صدر للدكتور بزي صدر له سبعة عشر كتاباً في السياسة والأدب والفكر والفلسفة، وثلاثة دواوين شعرية، ويشرف على مشروع تعريب ونشر الآثار الكاملة للمفكر الراحل الدكتور علي شريعتي ، حيث حقّق العديد من مؤلفاته التي تصل إلى ستين كتاباً، وقد صدر منها حتى الآن 31 كتاباً.

في هذه السطور ينشر موقع takarir.net النص الكامل لمقابلة اجرتها معه الزميلة عطاف الخشن لمجلة Time TV بتاريخ 7/6/2020)، وفيها يبوح عن اسرار طفولته، ويجول بين صفحات الكتب ومؤلفاته وهموم الثقافة وشجن الحياة وتجلياتها في احداث واشخاص. وخلالها أطلق مبادرة إطلاق واحتضان وتعميق وتعميم ثقافتين: ثقافة المحبة و ثقافة الحوار، فهما كُنه وأسّ الإنسانية والدين والأخلاق.

 *الشاعر والفيلسوف والروائي الدكتور محمد حسين بزّي ، كيف تقدم نفسك للقارئ؟

لم أدعِ يوماً أياً من تلك الصفات، فضلاً أنني لا أؤمن بالألقاب، فالذي لا يشرّفه اسمه لا تشرّفه ألقاب الدنيا، فأنا طالب علم على سبيل المحبة، أو قلْ: الإيغال في الحبّ الذي يوصل إلى المعرفة والفلسفة الحقيقية بعد التمكّن من أدواتها المعرفية تحصيلاً وممارسة.

* إذا تداخل الشعر مع الفلسفة ألا يحس أحدهما بالضيم؟ ألا تنتج بينهما علاقة جذب واعتراض؟

ليس هناك من مكان لـ إذا الشرطية، لأنّ الشعراء الحقيقيون كما الفلاسفة، يجعلون من الوقت وطناً لأفكارهم، وطناً لآلامهم، وطناً لآمالهم، وطناً للمكابدة وللقلق المستمر، وهذه لذّة لا تقاربها لذّة، حيث الإمساك باللحظة المشرقة وحتى الإشراقية بتعبير الإشراقيين؛ أو قنصها لتشييد وطن خالد من الأفكار. فالفلاسفة غالباً شعراء، سيما الذين ينحون للذوق والتأمل الداخلي، عنيت بهم المتألهين أو الصوفيين، كذلك الشعراء في الغالب لا يخلون من فلسفة أو تفلسف، وهذا ما وجدناه مع صولون الإغريقي (640 – 560 ق.م.) ، و ابن سينا و الحلاج و المعري و عمر الخيام و ابن عربي و شيخ الإشراق السهروردي ، و طاغور و دانتي أليغييري و فولتير وصولاً إلى نيتشه وغيرهم الكثير.. وقديماً كانوا يسمون “الراؤون” لما لأشعارهم من تأثيرات في الرؤى المعرفية للإنسانية. فطالما طرح الشعر سؤال الفلسفة، والفلسفة طالما كانت حياة السؤال. من هنا ليس من ضيم لأي منهما على حساب الآخر، فضلاً عن التعارض، بل كان التلازم بينهما في مسيرة تكاملية شرط أن يكون شاعراً وليس مستشعراً، وفيلسوفاً وليس مستفلفساً كما نشهد اليوم من ادعاءات الشعر والتفلسف، سيما مع فورة تكنولوجيا المعلومات.

* بين الفلسفة والشعر كيف تسرج اللغة وتُهادنُها؟

في الشعر أو الفلسفة، اللغة هنا تخلق ذاتها، وتنتج مبانيها، وتسرج معانيها في لحظة غير متوقعة وليست مسبوقة بتعيين أو تحديد، وفي الابداع ليس من مكان للصناعة المتعمّدة، لأنهما (الفلسفة و الشعر) كما الماء .. والماء إذا ما تفجّر وجد طريقه.

* ما حكاية شمس الأميرة العربية العاشقة التي كتبت عنها، أخبرنا ما قصتها؟

شمس هي أميرة عربية قحطانية أوسانية (نسبة إلى مملكة أوسان)، وكانت مملكة أوسان عامرة في جنوب الجزيرة العربية (تقريباً اليمن حالياً) قبل الإسلام بمئات السنين، وعرفت هذه المملكة النُظم المدنية في السياسة والإدارة والاجتماع، وامتد سلطانها إلى القرن الإفريقي الذي كان يعرف بالساحل الأوساني ، ممّا جعلها تضاهي وتنافس ممالك ذلك الزمان من الفرس والرومان.

وقد أردتُ من هذه الرواية تثبيت حقيقة تاريخية دائماً ما تُغيّيب عن عمد، ألا وهي: إنّ العرب قبل الإسلام  بمئات السنين كان لهم حضارة عظيمة وممالك كبرى، وبعضها لم يزل مستمراً حتى الآن، وهي عُمان –أي سلطنة عُمان الحالية-، وعُمان تاريخياً هو أحد أبناء قحطان جد العرب الأول حسب أكثر من مصدر تاريخي.

وتدور داخل الرواية قصة حبّ عظيمة بين الأميرة شمس وابن عمها الأمير مالك ، وداخل قصة الحبّ تلك؛ بثثتُ ما استطعت الوصول إليه من معالم تاريخية، وإرهاصات حضارية تؤرخ لتلك الحقبة من الزمن الذي غادرناه أو غادرنا ولم نزل نحمل أسئلة صعبة وكبيرة حوله.

وكنتُ كتبتُ هذه الرواية “شمس” قبل 25 عاماً، ونشرتها عام 2017 لتنتشر بشكل غير متوقع، حيث تًترجم الآن للفرنسية و الإسبانية . وصارت الرواية عرضة بالبحث والدراسة لبعض طلاب الدراسات العليا من كل من لبنان و مصر و الجزائر. وقد كتب عنها ما يربو على 25 بحثاً ومقالاً نقدياً من أكاديميين كبار في لبنان والعالم العربي، وقريباً ستصدر تلك الأبحاث في كتاب نقدي حول رواية شمس.

*الشاعر لا يسمح لروحه وحرفه بالانبطاح حتى لو دخل خطوط الضياع. الدكتور ( بزّي ) كيف يواجه بياضات الوقت وفراغات الأيام؟

إذا الفراغ موجود فأنا غير موجود، هكذا نشأت.. فأنا وبكل بساطة وتواضع أعتبر أنني كبرت قبل جيلي، بمعنى أنني ومذ كنتُ في العاشرة من عمري لم أعرف الفراغ، فأذكر أنني في ذلك العمر (العاشرة) قد بدأت بالعمل، وكنت أتقاضى ما يكفيني أقساط الدراسة وثمن الكتب، كنت أعمل قبل الظهر وأذهب للمدرسة بعد الظهر، وطبعاً كنّا في آتون الحرب الأهلية اللبنانية، والتي كان من _حسناتها_ أن شكلت لدي وعياً مبكراً بالسياسة والأحزاب ومآلاتهما.. فمثلاً أنا لا أذكر أنني اشتريت من مالي يوماً لعبة، بل كنت أشتري الكتب من المال المتبقي من راتبي البسيط، ولم أزل أذكر أول كتاب اشتريته في حياتي “شقراء في الأدب العاملي” لمؤلفه المرحوم السيد عبد الله الأمين من مكتبة فؤاد بيضون في بنت جبيل .

وكان أن نشأت على صوت الوالد حفظه الله وهو يقرأ شعر الأقدمين، سيما شعر عنترة و المتنبي، وكنت دون العاشرة عندما كتبت أول بيت من الشعر ليكرمني الوالد مكرمة عظيمة بقيمة ذلك الوقت وهي ليرة لبنانية كاملة، بعد أن كنا نأخذ ربع ليرة “خرجية المدرسة”. أيضاً كان لمعلمة اللغة العربية الأستاذة لودي يشوع في مدرسة مار ساويريوس (التابعة لكنيسة السريان في بيروت) الفضل الكبير في اكتشاف موهبتي الشعرية، فطالما حمستني وأرشدتني وطلبت مني إلقاء الشعر في نشاطات المدرسة.

لهذا كله لم أعرف الفراغ في حياتي، فضلاً عن الانبطاح أمام أي شيء، فقد حملت البندقية رغماً من منعي عدة مرات من قبل المقاومين أثناء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، لكنني أخيراً نجحت في إقناعهم، وقاتلت حتى جُرحت وكنت في بداية الثانية عشر من عمري، متأثراً بثقافة ثورة الإمام الحسين وأفكار تشي غيفارا التي كانت شعارات وأدبيات تلك المرحلة.

*ماذا تعني لك العبارات الآتية:

مرايا الشمس  _ أغاني قونية _ علي شريعتي _  دار الأمير

مرايا الشمس الصادر عام 2015 هو الديوان الذي كتبته في حوالي 15 مدينة حول العالم، قضيتها بين حلّ وترحال، وهو شعر في الحبّ، ولا يخلو من غزل بطبيعة الحال، وبذلك هو ديواني الثاني (بعد ديواني الأول “الغزل والمُسلّح” الصادر عام 1995). في مرايا الشمس أحببت أن احتفظ بتلك الـ 20 سنة من عمري في إشراقات تلك المدن وما حملت من لواعج ومباهج في تاريخ اللحظة التي أمسكها الشعر. وقد ترجم الديوان إلى الفرنسية و الإنكليزية و الفارسية، ويترجم الآن إلى التركية و الإيطالية و الإسبانية.

أمّا أغاني قونية الصادر عام 2016 فهو ديوني الثالث الذي كتبني قبل أن أكتبه، وهو الأحب إلى قلبي من بين كلّ شعري على عكس ما يتوقع الكثيرون.. فهو أغاني المدينة التي احتضنت مولانا جلال الدين الرومي وردحاً من حياة شمس الدين التبريزي، قونية التي أشعلتني بخضرة نور مولانا لأحترق بناره البيضاء، أو ناره التي لا لون لها (اللا لون)، سوى لون الحبّ المتجرّد من كل ألوان التعصب والكراهية.

مولانا الذي أكتب عنه رواية هذه الأيام اسمها “في حضرة العشق” وكنت بدأتُ بكتابتها عام 2016 عندما رزت ضريحه في قونية، وأقول في بدايتها:

“لا تعلمني أنّني دائماً على حق..! بل علمني كيف أحِبّ؛ كي أصل إلى الحق.

مولانا في الغربة الشرقية، لم يشأ إلّا أن أتوضأ في داره المُهدى إليّ، منه إليه.. عنه فيه، وفيه ما فيه.. بعد أن شربتُ خمرة نوره الشرقي؛ بدأ العبور من الشوق إلى الاشتياق .. كان اليوم أحد، والرقم 17 السابع عشر، تمام السبعة في الأشواط .. وانتهاء العد بالواحد .. نظرتُ في عينيه المحدقتين من بعيد مسلّماً، فألقى بوردة حدّ الابتسامة …! وبوِردٍ يستنزل الغيث وراء الباب القمحيّ ..

مشيتُ في طريقي وأنا أعانق ظلاً كان سكنني في ياقوت الوقت ..! كأنّ المطر كان يشربني ولا أدري من الساقي ؟! هل السماء خضراء إلى هذا الحد تحت العِمّة اللّبَد..؟! نفحة من شمس تبريز … شتان …”

أما بالنسبة إلى علي شريعتي ، فهو الإنسان الذي علمني أن لا أضحي بالحقيقة من أجل المصلحة، وأن الحياة في سبيل الله أصعب بكثير من الموت في سبيل الله. علمني علي شريعتي أنّ أسبح في التاريخ الذي تجلّى على هيئة جغرافيا بسرعة غزال هام فعام فوق الرمال.. وأطير بسرعة سلحفاة استعارت من البطّ جناحيّه في ريح عصوف مفتّشاً عن إبرة تراءت كظلّين لشبحيِّن غابا وراء لاوتسو.. ليظهر كونفوشيوس فجأة ممسكاً الميزان وعن يمينه بوذا المتشح بغصنيّ زينون، حسبتهما من طور سيناء..! علمني أن أعيش التخبط وقد ظهر الثلاثة عليّ بروح واحدة وقلب واحد؟ لكن أي لذّة عشتها عندما تعرّفتُ إليهم .. علمني التخلص من “السمسارا” والعبور إلى “الكارما” لتقبض على روحي “النيرفانا” الكاملة وأنا على قيد العشق فصرتُ لا شيء.. صرتُ عاشقاً.

علمني شريعتي أن أطوف في السّماء كي ألتقط نجمة من مثنوي، كانت خرجت مع أنفاس مولانا مرموزة لدرويش أمّيٍّ كي يدور في سماء شمس بعد أن طوى الأرض لأنّها لم تعد تَسَع عشقه.. من هناك، من الأعالي، من الأعلى رماني بها كي أقف على مقولات بابا طاهر الأولى و السُّهروردي في إمارة إشراقه.. وأنا إنْ لم أطِر إلى سماء شمس تبريز فكيف كنتُ سألحق بـ سارتر لأعيد للعدميّة روحها القديمة؟!

أمّا دار الأمير فهي عمري لأكثر من ربع قرن، حيث أسستها في العام 1992، لتكون شاهدة في مسيرة الوعي والفلاح، ولكنها استشهدت في عدوان تموز 2006 فكان لها النصيب الوافر من الغارات الجوية الإسرائيلية، حيث دمرت بما فيها من كتب ومخطوطات وأرشيف بشكل كلي، ولكننا أعدنا بفضل الله سبحانه إطلاقها بشكل أفضل وأجمل ممّا كانت.. وكانت الدرس الصعب الذي تعلمته: فليس كل ما تملك هو موجود حقيقي إن لم تكن تمتلك الإرادة في المواجهة أصلاً.

* بماذا تختم لقاءنا هذا ، وما الرسالة التي ترغب في إيصالها للقارئ ؟

أختم كما بدأت بالدعوة إلى إطلاق واحتضان وتعميق وتعميم ثقافتين: ثقافة المحبة و ثقافة الحوار، فهما كُنه وأسّ الإنسانية والدين والأخلاق.. وإلًا فالبشرية ذاهبة إلى توحش خطير لم تشهده من ذي قبل، خاصة مع مخاضات وباء كورونا التي ربما لم تبدأ بعد.

السيرة الذاتية:

محمد حسين بَزّي في سطور

مواليد مدينة بنت جبيل ، جنوب لبنان عام 1971م.

دكتوراه في الفلسفة والإلهيات.

مؤلفاته: صدر له سبعة عشر كتاباً في السياسة والأدب والفكر والفلسفة، وثلاثة دواوين شعرية، منها: الغزل والمُسلَّح “ديوان شعر” 1995م. شاهد بلا شهادة، 2003م. أسرار من بغداد، 2005م. الوعد الصادق “يوميات الحرب السادسة”، 2006م. وصدر في طبعة ثانية عن الشروق الدولية في القاهرة.

– “الحداثة مشروع غير مُنجز”، قراءة نقدية في نظرية هابرماس الفلسفية (بحث أكاديمي) 2007م. روجيه غارودي في فلسفته النقدية، (بحث أكاديمي) 2007م. صدام حسين..  الحقيقة المُغَيَّبَة، 2008م. فلسفة الوجود عند السُّهروردي – مقاربة في حكمة الإشراق- (رسالة ماجستير)، 2009م. تُرجم للفارسية وصدر في طهران 2019م. الخديعة “يوم اغتالت الفوضى الخلّاقة رفيق الحريري” 2011م. مرايا الشمس “ديوان شعر”، 2015م. – تُرجم للإنكليزية والفرنسية والفارسية. ويترجم حالياً للإيطالية والتركية. – أغاني قونية “ديوان شعر”، 2016م. – شمس “أميرة عربية عاشقة”، “رواية ” 2017م. (تُترجم للفرنسية والإسبانية).

يشغل الآن: مدير عام دار الأمير للثقافة والعلوم، ورئيس هيئة بنت جبيل الثقافية (هـبـة).

عضو مشارك في: اتحاد الكتّاب اللبنانيين، اتحاد الناشرين اللبنانيين، الاتحاد العام للناشرين العرب، تجمع شعراء بلا حدود، الملتقى الثقافي اللبناني.

شارك في عدة مؤتمرات دولية وعربية تُعنى بقضايا الفكر والأدب. وفي عدة برامج حوارية، ولقاءات متلفزة عبر قنوات: الجزيرة – العربية – المنار  – nbn – الكوثر – العالم – الكويت – الشارقة – عُمان – trt التركية – تلفزيزن لبنان- – art  وغيرهم.

كما نُشر له العديد من القصائد والمقالات الأدبية والسياسية والفكرية في الصحف والدوريات اللبنانية والعربية، منها: جريدة السفير، الأخبار، النهار، الانتقاد، اللواء، الوعي المعاصر، الوسط البحرينية، الخليج الإماراتية، الدستور المصرية، الوقت البحرينية، النهار الأسترالية، التليغراف الأسترالية، القبس الكويتية، البيان الإماراتية، وغيرهم.

يُشرف محمد حسين بزي  على مشروع تعريب ونشر الآثار الكاملة للمفكر الراحل الدكتور علي شريعتي ، حيث حقّق العديد من مؤلفاته التي تصل إلى ستين كتاباً، وقد صدر منها حتى الآن 31 كتاباً.

 

شاهد أيضاً

كلاس خلال لقائه طرابلسي ووفد "المشاريع"

“حماية الشباب من مخاطر محدقة” بين كلاس و”شباب المشاريع”

“حماية الشباب من مخاطر محدقة” بين كلاس و”شباب المشاريع” زار وفد من جمعية “شباب المشاريع” …