الشيخ طارق اللحام لموقع takarir.net: عاشوراء هي مدرسة إحقاق الحق
خاص takarir.net
لمناسبة ذكرى عاشوراء أجرى موقع takarir.net الحوار التالي مع الأستاذ المحاضر في الجامعة العالمية في بيروت ورئيس الرابطة العالمية لقدامى وطلاب الأزهر الشريف في لبنان الأستاذ الدكتور الشيخ طارق اللحام الحوار التالي:
س1: ما معنى عاشوراء؟ وما فائدة الكلام عن عاشوراء؟
ج1: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، فإن عاشوراء هو يوم العاشر من شهر الله المحرّم. وهو يوم عظيم، شهدت الأمم فيه على ممر العصور والدهور أحداثًا عديدة منها ما كان فرحًا ومنها ما كان حزنًا.
وفضلًا عما ورد في فضل هذا اليوم فإن حوادثه التاريخية وقصصه تذكّر الإنسانَ وتدفعه للاعتبار فإن الله تعالى قال: ﴿إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد﴾.
وهذه هي الفائدة من علم التاريخ عموما، ومن ذكر المحرم خصوصا، الاعتبار والتنصّح بتلك الأحوال، وحصول ملكة التجارب بالوقوف على تقلبات الزمن ليتحرز العاقل عن مثل أحوال الهالكين من الأمم المذكورة السالفين، ويستجلب خيار أفعالهم.
س2: لمّا كانت عاشوراء محطة تاريخية مهمة تستقى منها الدروس، فما هي أبرز هذه المحطات؟
ج2: ورد في كتب التاريخ الإسلامي عدة قصص حصلت في هذا التاريخ.
فمن ذلك نجاة قوم سيدنا نوح عليه السلام من الطوفان. وقد ذكر أن الله أرسل على قومه الكفار مطرًا أربعين يوما فأقبلت السماء بمائها وأمر الله الأرض فأخرجت ماءها فحصل الطوفان الذي لم ينج منه إلا نوح ومن معه في السفينة بفضل الله ورحمته.
ومن ذلك ولادة الخليل إبراهيم عليه السلام يوم الجمعة من عاشوراء.
ومنها ظهور موسى عليه السلام على السحرة الذين جاء بهم فرعون حيث ألقى موسى عليه السلام عصاه فانقلبت حية تسعى وكان ذلك في عاشوراء.
ومما ذكره بعض المؤرخين أن بلقيس تزوجت من سيدنا سليمان عليه السلام في يوم عاشوراء.
ومن ذلك أيضا ما حصل في هذه الأمة من فاجعة مقتل الإمام الحسين سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته من الدنيا وذلك سنة 61 من الهجرة النبوية في العاشر من المحرم مظلوما. وقد نال شرف الشهادة إحقاقًا للحق وإزهاقًا للباطل رضي الله عنه وأرضاه.
س3: ما هو فضل هذا اليوم؟
ج3: لا شك أن من شعائر دين الله تعظيم الأيام التي جاء الشرع الكريم بتعظيمها، ومن هذه الأيام يوم عاشوراء.
وقبل أن أتحدث عن فضل صومه الذي ورد في الحديث الشريف أود أن ألفت النظر إلى قصتين ذكرهما الإمام ابن الجوزي في كتاب “بستان الواعظين” وفيهما ما يدل على عظمة اليوم الذي نتحدث عنه، فقد قال رحمه الله: “حكي أن أسيرًا كان بأيدي الكفار وكانوا يعذبونه. فلما كان في يوم عاشوراء قال: اللهم بحرمة هذا اليوم عليك إلا ما فرجت عني. قال: فلطف الله به وعطّف عليه قلوبَ الكفار حتى خلصوه، وأفرجوا عنه”.
وقيل: “خرج أسير في يوم عاشوراء من بلد الكفار فطلبوه، فلما رأى الفرسان خلفه وأيقن أنه مأخوذ مدرك، رفع رأسه إلى السماء (لأنها قبلة الدعاء وليس لأن الله ساكن فيها، فالله لا يسكن أرضًا ولا سماءً) وقال: إلهي وسيدي ومولاي بحرمة هذا اليوم أسألك أن تنجيني، وتحفظني منهم. فأعمى الله أبصارهم عنه فنجا، وصام ذلك اليوم فلم يجد شيئا يفطر عليه عند الليل، فنام وأُطعم وسُقي في النوم لفضل يوم عاشوراء. فعاش بعد ذلك عشرين سنة لم يكن له حاجة إلى الطعام والشراب”.
س4: ذكرتم فضل هذا اليوم. فما هو فضل صيام هذا اليوم؟
ج4: روى الإمام مالك في الموطأ من حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: “كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه”.
وفي حديث طويل عند أبي داود من حديث أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “وصوم يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله”.
وروى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم عاشوراء يوم كانت تصومه الأنبياء، فصوموه أنتم”.
س5: ما حكم هذا الصوم فضيلة الشيخ؟
ج5: الجواب أن صيامه معدود في النفل، أي هو سنة عظيمة وليس فرضًا واجبًا، إنما يستحب صيامه.
فقد خرّج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل”.
فهذا الحديث صريح في أن أفضل ما تطوع به من الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم.
وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضّله على غيره إلا هذا اليومَ يومَ عاشوراء وهذا الشهر يعني شهر رمضان”.
ويسن أيضا صيام تاسوعاء، وهو التاسع من المحرم لما في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “لئن بقيتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسع”. ولكن مات قبله صلى الله عليه وسلم. بل ونص الشافعي في “الأم” و”الإملاء” على صوم هذين وصوم الحادي عشر.
س6: لا يزال في فكر كل المسلمين عند كل شهر المحرم الفاجعة الأليمة التي ذكرتموها قبل قليل. فهل تحدثونا عن سيدنا الحسين رضي الله عنه؟
ج6: الحسين رضي الله عنه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن فاطمة وعلي عليهما السلام.
كان سيدًا وسيمًا جميلًا، فصيحًا عالمًا، عاقلًا رزينًا محتشمًا، جوادًا كثيرَ الخير، ديِّنًا ورعًا، كبيرَ الشأن، وقد ورث عن جده المصطفى في ما ورث من أخلاقه الكريمة وشمائله الطيبة.
وقد ذكره الرسول مع أخيه الحسن بأنهما سيدا شباب أهل الجنة وأنهما ريحانتاه من الدنيا، فهما من سادة أهل البيت النبوي الشريف الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ومن سادة هذه الأمة رضي الله عنهما.
ومعتقده ومعتقد أهل البيت النبوي واحد، وهو اعتقاد النبيين، اعتقاد أنه لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن الله خلق العالم بأسره العلوي والسفلي فلا يسكن سماء ولا أرضًا، وأنه سبحانه غير مشابه للمخلوقين، متصف بصفات تليق به سبحانه، وأن محمد بن عبد الله العربي القرشي أرسله الله إلى كافة العالمين بالصدق والأمانة والفطانة.
س7: ما هي العبرة والخلاصة التي نستخلصها من عاشوراء؟
ج7: يستذكر الواحد منا أن الشدائد التي تعصف بالأمة اليوم لا بد أن تزول، وأن فرج الله قريب، فهؤلاء الأنبياء نوح وإبراهيم وموسى نجاهم الله في هذا اليوم وقد لقوا ما لقوا من أذى الناس. فعلى الواحد منا أن يصبر، ولا يعترض على الله سبحانه.
وكذلك نتعلم من هذه المدرسة الإصرار على إحقاق الحق، وعدم السماح للباطل أن ينتشر ولو قليلًا، وأن نكون شجعانًا أبطالًا لا نخاف في الله لومة لائم.
وفي الختام، وفي هذه المحن التي نمر بها، أؤكد على الالتزام فيما بيننا بالتكاتف، والسؤال عن بعضنا البعض، والشفقة والعون والرحمة والدعوة إلى الخير بالخير والحكمة.
جعلنا الله من المعتبرين ومن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. ءامين يا رب العالمين.