الخطيب ادى صلاة الاضحى في لبايا: انتخاب رئيس وإعادة المؤسسات إلى القيام بواجباتها
أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى الشيخ علي الخطيب صلاة عيد الاضحى في مسجد بلدة لبايا – البقاع الغربي.
وألقى خطبتي العيد التي قال فيهما: “أسعد الله أيامكم بعيد الأضحى المبارك حيث اليوم العاشر من ذي الحجة وقد أدى حجاج بيت الله الحرام شعيرة الاضحية تقربا إلى الله تعالى وتأدية لواجب إلهي من واجبات الحج على سنة ابراهيم ع بعد القيام بواجب الإحرام ولبس ثوبي الإحرام والتلبية لنداء الله تعالى” لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك لا شريك لك لبيك” بعقد النية لاداء فريضة الحج وخلع ما كان يرتدي من ثياب عادية تستر جسده وتزينه وتحميه من البرد والحر ليرتدي بدلا عنها ثوبين بمواصفات ثياب الموتى اي الثياب التي نكفن بها الموتى استعدادا للرحلة إلى العالم الآخر ،لنتذكر مصيرنا النهائي وأننا سنتخلى عندها عن كل ما امتلكنا في هذه الحياة واننا لن نأخذ منها شيئا ولن تبعد عنا شرب هذا الكأس المر مهما بلغت عند المصير المحتوم ، فأي قيمة لها طالما انها لا تنفعنا عند أخطر الأمور التي تواجهنا وان خير الزاد الذي نأخذه في هذه اللحظات هو زاد التقوى الذي يبقى مصاحبا لنا في هذه الرحلة الطويلة الابدية التي لا عودة ترجى منها ولا رجعة تؤمل فيها”.
أضاف: “انها لحظات للتأمل نعيد فيها شريط الذاكرة لكل ما سلف منا من اعمال قمنا بها لنعيد حساباتنا حيث نمتلك الفرصة الطوعية اليوم لهذه المراجعة قبل أن نفقدها وتفوتنا وتكون المراجعة قهرية غير قابلة للتعويض بعمل صالح حين نزع الروح ويصبح الموت امرا محتوما وان قلنا (ربي ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت) يأتينا الجواب( كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون ), فقد فات الاوان وقد كان الامر مقدورا فلم نستفد من العبر وما اكثرها . ان اول ما يجب أن يتذكره من يؤدي فريضة الحج عند خلعه للثياب التي اعتاد ارتداءها ،ونحن الذين نتابعهم ونؤدي اليوم صلاة العيد مشاركة لهم في العيد شكرا لله تعالى على ما هدانا اليه، ونحن نتلو “الحمد لله على ما هدانا وله الشكر على ما اولانا” من نعمة الإيمان بالحقائق الإلهية ونعمة الشكر المستحقة علينا بالهداية إلى الاتيان بفرائض الايمان التي منها فريضة الحج وما جعل الله تعالى من منافع منها المادية والاعظم منها المنافع المعنوية التي منها تذكّر ما ينفعنا عند انقضاء العمر والحياة، حيث لا فناء وإنما حياة اخرى اما شقاء لا راحة بعدها وإما راحة لا شقاء بعدها، وكل ما بعد ارتداء ثياب الحج من الطواف حول الكعبة الشريفة للتأكيد على ان محور حركتنا يجب أن يكون الحق وهو الله سبحانه دون غيره من آلهة تعبد من دونه حاكمة أو مالا أو عشيرة أو غيرها مما يضل عن الصراط ويأخذ إلى طريق الضلال”.
وتابع: “إلى الصعود إلى صعيد عرفة في اليوم التاسع من ذي الحجة ما بعد ساعة من الزوال إلى غروب الشمس تحت أشعة الشمس الحارقة يتعبد فيها الحجاج بالصلاة لله تعالى يتذكرون فيها يوم الحشر والحساب وقوله تعالى (وقفوهم انهم مسؤولون) ليتذكروا يوم الحساب وشدة امرالوقوف في هذا اليوم على صعيد القيامة بين يدي الله تعالى وقد فضحت اسرارهم وانكشف المستور عن عيون الخلائق في الدنيا خوف العار والسقوط في أعين الخلائق، إلى المشعر الحرام بعد الافاضة من عرفة لجمع الحصى استعدادا للانطلاق إلى منى دفعة واحدة ،لجموع الحجيج في مظهر عظيم يتجهون معا إلى جمرة العقبة يرجمونها بسبع حصيات تعبيرا عن رجم الشيطان والتبرؤ منه ومن كبره الذي كان سببا لغيه وضلاله وتحديه لارادة الله تعالى ، ثم التضحية بذبح كبش على سنة ابراهيم تذكيرا لنا بالالتزام بتحقيق امر الله تعالى مهما بلغت التضحيات ولو كان بالولد الذي هو اعز ما يملكه الإنسان، واستجابة اسماعيل لهذه الارادة حيث خاطبه ابوه( اني ارى في المنام اني اذبحك قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين ) امتحانا ليس كمثله امتحان. ولما رأى الله الاستعداد الكامل منهما للاستجابة تحقيقا لارادته تعالى كان النداء الالهي (ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا وفديناه بذبح عظيم) ليكون الاب والابن النموذج لمن يأتي في الصدق والصبر, وان الله لا يضيع أجر المحسنين، إلى الطواف حول الكعبة الشريفة للتأكيد على ان محور حركتنا يجب أن يكون الحق وهو الله سبحانه دون غيره من آلهة تعبد من دونه سلطة أو مالا او دنيا أو عشيرة أو غيرها مما يضل عن الصراط ويأخذ إلى طريق الضلال”.
وقال: “إلى السعي بين الصفا والمروة تذكرا لسعي هاجر زوجة ابراهيم وهي تبحث ذهابا وايابا عن الماء لتروي ظمأ ولدها اسماعيل حيث اُمر ابراهيم بتركها معه في أرض لا كلأ ولا ماء امتحانا لايمانهما وصبرهما على تنفيذ امر الله تعالى فاثابها الله تعالى بماء زمزم ينبع عند قدمي اسماعيل. حيث لم تترك لادنى الشك او اليأس من رحمة الله ان يطرق باب قلبها ولو قليلا. انها الليالي العشر التي اقسم الله تعالى فيها فقال (والفجر وليال عشر), فقد قيل انها العشر الأوائل من ذي الحجة، وعلى كل حال فالحج وشعائره تأكيد من الله تعالى على المؤمنين بتزكية نفوسهم والارتقاء بوعيهم الايماني وتعميق عقيدة التوحيد في عقولهم وقلوبهم وهي الغاية الاولى للدين لإخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم. فبالتوحيد فقط ينعتق الإنسان من الجهل والانحراف ويتخلص من الأوهام والخرافات وعبادة الذات والعبودية للغرائز والشهوات. وقد قضى ابراهيم ابو الأنبياء والرسل حياته في مواجهة الطغاة والمشعوذين ودعاة الانحراف والشرك الذين استلبسوا الناس واضلوهم ودعوا الناس إلى التحرر من أسرهم بالتوحيد لله تعالى”.
وختم الخطبة الآولى: “على هذا قامت دعوات وجهاد الأنبياء والرسل من بعده كموسى وعيسى ونبينا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين “.
الخطبة الثانية
وقال في الخطبة الثانية: قال تعالى: ( واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها واطعموا البائس الفقير)، لقد اُمر رسول الله ص ان يدعوا الناس للقيام بفريضة الحج في هذا المشهد العظيم واخبرهم بأن للحضور في هذه البقاع التي تتوزع فيها مشاهد الحج منافع متعددة لا يحصل عليها سوى من شهدها اي حضرها وباشرها، وقد ابتدا الله بذكرها وثنى بالقيام بعبادة ذكر الله وشكره على ما افضل عليهم ورزقهم من بهيمة الأنعام كنموذج أعلى للرزق حيث تشكل أهمية خاصة للغذاء والاطعام وبالتالي يضحى بها تعبدا لله تعالى لاطعام البائس – والبائس من البؤس- والبائس المعدوم الذي لا يملك شيئا والاسوأ حالا من الفقير ،والفقير الذي لا يمتلك مؤنة سنته تحديدا للمستحق للاضحية الواجبة في الحج حيث لا يجوز للغني ان يتصرف فيها بالأكل منها الا بمقدار ربع الاضحية ،وهي حال الإنفاق الواجب كالزكاة حيث وضعت لمستحقها مواصفات خاصة، منها ان يكون اما مسكينا أو فقيرا. اما في الإنفاق المستحب كالاضحية المستحبة لغير الحاضر في الحج فلا بأس أن يُطعم منها غيرهما كالصدقة المستحبة اي في غير الزكاة الواجبة”.
أضاف: “وعودا إلى الحج وفوائده التي لا تنحصر في المادية منها فقط لتشمل المعنوية منها وهي الأهم، فإن من أعظمها إظهار هذا المشهد العظيم للمسلمين وهم يكبرون الله تعالى ويهللونه ويوحدونه وأنهم يمارسون العبودية لله تعالى وانه مقصدهم وغايتهم وليس الهيمنة والتسلط والعدوان وإنما إشاعة الهدى والسلام والعدل والقسط في الارض”.
وتابع: “ثانيا: التوحد ووحدة الامة حيث يمارس المؤمنون هذه العبادة في مكان واحد وزمان واحد مع اختلاف اجتهاداتهم ومذاهبهم ومشاكلهم تأكيدا لوحدة الأمة مهما بلغت بينهم الأمور وان الاختلاف في المصالح وغيرها سقفه الوحدة بينهم ، وهو ما تناولته واكدت عليه جملة من الايات والروايات. فقال تعالى( وان هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون )حيث ثبت الله تعالى في هذه الآية حقيقتين اثنتين: الاولى. وبها ابتدأ وان هذه امتكم امة واحدة، والثانية ( وانا ربكم فاعبدون) ربطا للعبادة بالحفاظ على وحدة الامة وان وحدة الامة هي القاعدة التي تجعل من العبادة له العبادة الحقة, عبادة الأمة الموحدة لان المطلوب ليس فقط إقرار الفرد بربوية الله تعالى وانما هي رسالة الامة لتقيم الدين وتجعله قائما وهو ما لا يتحقق بالايمان الفردي قال تعالى ( ولا تفرقوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) والفشل هو فشل المهمة وهي جعل الدين قائما في تحقيق غاياته في نشر رسالته للأمم والاعتراف لله بالوحدانية وانه لا اله غيره يستحق الخضوع والعبودية والطاعة له وتطبيق احكامه وعدالته وقيمه ونشر هذا النور الالهي على العالم وإخراج الناس من الظلمات إلتي تملأ حياتهم الى النور من المعارف الإلهية الحقة وهذا لا يمكن أن يحققه الإيمان الفردي وإنما يتحقق بالامة التي ان تفرقت فشلت في تحقيق وظيفتها في نشر قيمه التي اعلاها القيم الاخلاقية التي من دونها يسلك العالم طريق الانحطاط والهلاك كما هو حاصل اليوم حيث استبدلت هذه القيم التوحيدية بالعبادة لغير الله فخضع العالم للطاغوت وعبد من دون الله واتبع فيما سنه من شرائع تحقق غاياته الطاغوتية حيث يفرض سيطرته وثقافته المنحطة التي تحقق ارادته في استمرار هذه السيطرة على العالم واخضاعه لارادته وهي عبودية حقيرة جعلته عاملا لديه محققا لرغباته واطماعه واهدافه فإن جل فلسفته ان الانسان مجرد حيوان في غابة من حق القوي فيها ان يأكل الضعيف، وهو ما لا يتناسب مع تكريم الله تعالى له بما حمله من مسؤولية إعمار الارض وبما اعطاه من مقام جعله فيه وهو مقام الخلافة له”.
وقال: “ان العالم اليوم تحول فعلا الا ما رحم الله تعالى يعيش في زريبة تتحكم فيها إرادة هذه المادية المتطرفة والقوى المسيطرة فيها التي تتقاتل على التفرد في أكلها أو على التشارك في افتراس هذه الضحية. ان معاني الحج هو في ثقافة رفع القيمة الانسانية إلى مقام خلافة الله تعالى وقيام الإنسان بما تستحقه هذه المسؤولية قال تعالى جعل الله البيت الحرام قياما للناس بينما تخلى عن هذه المسؤولية والتكريم الالهي بالخروج للمنطق الطاغوتي الذي نزل بالإنسان إلى مراتب الحيوانية والبهيمية لتنتشر ثقافة الانحلال واشاعة الفواحش في حملة اعلامية واعلانية يعمل الطاغوت على تسويق هذا الانحطاط الاخلاقي على مستوى العالم الذي سيودي بالعالم إلى الهلاك وبدل ان يحاصر الشذوذ الافة المخالفة للفطرة البشرية التي فطر الله الناس عليها يراد تقنينها وحمايتها ليصبح ارتكابها محميا بالقانون ومشروعا، بعد ان كان فعلا قبيحا يُنبذ فاعله ويتستر مرتكبه ولا يجرأ عن الإعلان عنه ليس لانه عار عليه فقط يسقطه من اعين الناس بل لادراكه الفطري انه يمارس عملا تستقبحه الفطرة الانسانية ، فكما أودى بقوم لوط وغيرهم من الاقوام السابقين يستعجل الخطى بذلك للعقوبة الإلهية والطبيعية”.
أضاف: “هذه بعض رسائل الحج. ان أهمية احتفالنا اليوم بالعيد الذي يبدأ بمراسم الصلاة الجامعة والجماعة في سياق واحد مع حجاج بيت الله الحرام تعني اننا نقوم معهم بوظيفة الوحدة وبعمل متضامن متناسق هدفه واحد وهو ان نقوم لله وللحق بوحدة الهدف وهي الحفاظ على القيم الدينية والانسانية والاخلاقية التي هي أهم ما جاء به ومارسه الانبياء ودفعوا في سبيله غاليا من انفسهم واعزتهم وكما قال رسول الله ص عن الهدف من بعثته ( ما بعثت الا لاتمم مكارم الاخلاق ) اي القيم الاخلاقية والانسانية التي تنتهك اليوم وبشكل فاضح بممارسات لا أخلاقية في التعاطي مع المسائل الوطنية بلا مسؤولية ومن منطلقات طائفية ومصالح فئوية اضرت بالوحدة الوطنية وبالمصالح الوطنية ومصالح المواطنين حيث اعتقلوا المواطنين في زنازين طائفية وشيطن بعضهم الآخر إلى الحد الذي اُعيد فيه طرح مشاريع التقسيم والفيدرالية وهم يعلمون ان ذلك امر لا يمكن تحقيقه، كل ذلك للحصول على مكاسب شخصية سياسية او حزبية او للتقليل من الخسائر على حساب الطوائف والاديان والمواطنين والبلد، وفي النهاية الى التسوية فلماذا اذا شحن نفوس المواطنين بالبغضاء والاحقاد والعداوات؟”.
وتابع: “نحن لا نمانع الان من التسوية من أجل خلاص المواطنين والوطن الذين ليسوا في حساباتكم الا بقدر مصالحكم الشخصية والفئوية. اذا نحن نريد الآن للبنانيين والبلد الخروج من النفق الذي ادخلتموهم فيه بانتخاب رئيس للجمهورية واعادة المؤسسات الدستورية إلى القيام بواجباتها، ولكن على اساس تحقيق الإصلاحات، فمن عطل الطائف أليس اول معول لهدمه كان في رفض تأليف الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية على ان يتبعها سائر الإصلاحات من تشريع قانون انتخابي خارج القيد الطائفي وتأليف مجلس للشيوخ، فمن عطل القيام بهذه الخطوات؟ وقيل يومئذ ان إلغاء الطائفية السياسية يكون أولا من النفوس قبل النصوص وهل عُمل بعد هذا التعطيل على إلغائها من النفوس ام كرست في النفوس اكثر ؟ فليس هناك من إرادة فعلية على إلغاء الطائفية السياسية وبالتالي الاصرار عليها لن تكون نتائجه افضل مما نحن فيه الآن”.
وختم الخطيب: “لذلك، المطلوب بعد اعادة المؤسسات الدستورية إلى وضعها الطبيعي العمل على الإصلاحات التي اتفق عليها في الطائف وبناء دولة المواطنة .ان بقاء بناء الدولة على الصيغة أدى الى هذا الواقع المروع وما لم يُبن على اساس المواطنة وإقامة دولة المواطنة التي يتساوى فيها المواطنون بالحقوق والواجبات، فإن معنى هذا تكرار المشكلة ،ونحن على يقين ان هناك ارادات خيرة في هذا الوطن لن تتركه شركة في يد إدارة فاسدة تودي به إلى الإفلاس”.