الشيخ علي الخطيب
الشيخ علي الخطيب

الخطيب: الحل قادم حتماً فلا تطيلوا في المناكفة والعناد

الخطيب: الحل قادم حتماً فلا تطيلوا في المناكفة والعناد

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة ،في مقر المجلس، والقى خطبة الجمعة التي قال فيها:

“يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

آيتان من كتاب الله سبحانه وتعالى، الأولى منهما وضعت المؤمنين في إطار تحقيق أهداف المشروع الإيماني العام عنواناً محدداً ينخرطون جميعاً فيه كوحدة متكاملة، وأن الإيمان المطلوب منهم ليس إيماناً إفرادياً يتعلق بذات نفسه فقط وينتهي بالتزام الفرد منهم بمعزل عن سائر المؤمنين، وبعبارة أخرى أن الإيمان المطلوب ليس مشاريع فردية محدودة الأهداف فقط تتعلق بإيجاد مؤمنين لا رابط بينهم وإن كانت مسؤولية الاستجابة ابتداءً لنداء الايمان مسؤولية يتحملها الفرد عن نفسه، ولكنها أيضا إلى جانب كونها مسؤولية فردية فإن هناك مسؤولية الجماعة المؤمنة يقول تعالى (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)، كل أناس أي كل جماعة كل أمة وفي سورة الجاثية قوله تعالى: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

وما ورد في الآية الاولى وهو قوله تعالى (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) يقرر هذا المعنى ان المشروع الإيماني هو مشروع أبعد وأعمق من كونه مشاريع إيمانية متعددة بتعدد الأفراد ينتهي بالتزام كل فرد منهم بمعزل عن الآخر، بل مشروع واحد له غاياته فهم يشكّلون كتلة واحدة متراصة تعمل على تحقيق غاية واحدة وهدف واحد وهو ما فرعّته الآية على مبدأ (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا اولاً، وثانياً إقامة الصلاة وثالثاً إيتاء الزكاة ورابعاً إطاعة الله ورسوله، ثم عقّبت على ذلك بذكر نتائج الالتزام بهذه المقررات على الأفراد وليس على الجماعة قال تعالى: (أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ) أي سيكونون موضع العناية الإلهية فتنالهم رحمته تعالى.

ولم تتعرض الآية للأمة إن هي قامت بما هي أمة بهذه المسؤولية، لأن المقصود والله اعلم هو حثّ الأفراد وتشجيعهم على الاستجابة لنداء الايمان لأن الفرد يتأثر أكثر بالخطاب المباشر وبالجزاء الذي سيُعطاه أكثر من تأثره بذلك حينما يوجه الجزاء عبر الجماعة، وبالنتيجة فإن ما وعده الله تعالى بالرحمة للأفراد سيتحقق للجماعة أيضا على أنه اذا تخلت الجماعة عن القيام بوظيفتها فإن الذين استجابوا لا يسقط استحقاقهم للثواب، فهي وظيفة الأمة ليس على نحو ما يصطلح عليه في الفقه على نحو الواجب الكفائي اي الذي يُكتفى به لتحقيق الغاية بل على نحو الواجب العيني، فهو وظيفة كل فرد من أفراد الأمة المؤمنة ولذلك كان التوجّه بخطاب الرحمة للأفراد الذين لبّوا وأطاعوا ولم ينتظروا استجابة الاخرين فهم سيكونون موضع ومحط الرحمة الإلهية.

جماعة واحدة متماسكة

أيها الاخوة والاخوات، ان العنوان العام هو أن المؤمنين لا يعيشون حياتهم الخاصة ولا همومهم الخاصة بمعزل عن بعضهم البعض، وإنما هم تعبير عن جماعة واحدة متماسكة يحملون مشروعاً واحداً يعيشون لأجله ويحملون همّه ويتحمّلون مسؤولية تحقيقه، وقد عبّر رسول الله (ص) في ما يظهر تفسيراً لهذه الآية كما ورد عن رسول الله (ص) في رواية عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله ﷺ: “مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.

اذاً، فالغاية من دعوة الإيمان وجود مشروع إيماني يتخطى هموم وحاجيات الأفراد الخاصة إلى خلق حالة من الشعور الجماعي بالترابط بين افرادها بوحدة الانتماء ووحدة الهدف لتحقيق مشروع إلهي أبعد من الطموحات البشرية المحدودة التي تتمظهر في الجماعات ذات الانتماء العرقي أو الجغرافي التي تسعى إلى تحقيق القدرة والنفوذ والسيطرة وتدخل في صراعات دموية لا تنتهي خالية من القيم الاخلاقية السامية.

انما المشروع الإيماني يبتغي إيجاد نواة مركزية تحمل هذا المشعل لتعميمه الى العالم يحمل نفس الأهداف التي يبتغيها لنفسه من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة وايتاء الزكاة وإطاعة الله ورسوله لتشمله الرحمة الإلهية من الشعور بالأمن وإشاعة العدل والاطاحة بالظلم واعمار الأرض. فهذا المشروع ليس مختصاً بجماعة دون اخرى ولا ببقعة دون أخرى وإنما يتعدى ليكون مشروعا إلهياً فيه خير الدنيا والاخرة للإنسانية جمعاء كما بشّر رسول الله به اول ما أمر بالدعوة وكانت لعشيرته الاقربين فخاطبهم قائلا: “جئتكم بخير الدنيا والاخرة فأيّكم يؤازرني على هذا الامر”.

وخير الدنيا والآخرة ليس لهم خاصة وإنما تعريفاً لهم على طبيعة ما جاءهم به على أن يكون لهم فضل سبقِ الاستجابة لإشاعة هذه المبادئ التي تضمنتها رسالته الشريفة ليعم الخير والنور والسلام العالم وليس لبناء قوة بديلة تنتهج ذات المبادئ والقيم التي انتهجتها الامم المعاصرة لها أو السابقة عليها وانما المبادئ والقيم الإلهية، فهي لا تنسبها لنفسها ولا تطلب من الآخرين الخضوع لها، وإنما تنسبها لله تعالى وتطلب الخضوع له ، فلا هيمنة ولا استعباد فالعبودية لله تعالى وحده دون غيره وأن الناس سواسية كأسنان المشط على قاعدة (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) تكريساً لمبدأ الكرامة الانسانية على اساس الموازين الموضوعية (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، فالتقوى وهي القيام بالوظيفة والتزام موازين الحق والعدل في التعامل هي الاساس في التمايز بين الناس وليس اي شيء آخر من الكثرة والمقام الاجتماعي والنسب والغلبة وغيرها من الاعتبارات المادية.

فالخضوع لهذه الاعتبارات وجعلها سبباً للتمايز بين الافراد او الجماعات ليس شيئاً من الإيمان وهو اتباع لنهج الشيطان وخروج عن نهج الإيمان أياً كان مرتكبه أو فاعله يجب التبرؤ منه لأنه اعتداءٌ على المبدأ الحق وظلمٌ بحق من ارتكب بحقه والله لا يحب الظالمين بل اعتبر المؤيِّد كالمرتكب له سواء بسواء، والمؤمنون إنما أُمروا أن يكون بعضهم أولياء بعض على قاعدة حماية المبدأ الحق والتزام موازينه وليس عصبية التي اعتبرها الاسلام جاهلية فقد سُئل رسول الله (ص): “هل من العصبية أن يحب المرء قومه يا رسول الله؟ قال (ص): “ليس من العصبية أن يحب المرء قومه ولكن العصبية أن ترى شرار قومك خيراً من خيار قوم آخرين”.
اضاف: “أيها الاخوة والاخوات، ان ولاية الإيمان تقوم على أساس التزام القيم الاخلاقية بغض النظر عن قرابة الدم والقرابة التي تتحكم للأسف بالبعض وكرّستها بعض الاتجاهات أعطت لنفسها صفة التقدمية، وهي شعارات جاهلية قديمة ومتخلفة اُسترجعت من عصور التخلّف والظلام وكذلك الخضوع لموازين القوى السائدة بذريعة الواقعية السياسية تحت عنوان نريد الحياة (وبنا نعيش) وعنوان أُصطلح عليه (بحق القوة) الذي يتناقض مع الشعارات التي يرفعها أصحاب هذه المقولات الخاطئة من كرامة الإنسان وحقه في الحياة بحريّة التي لا تعني في الواقع شيئاً سوى أن لا حقّ في الحياة بحريّة سوى للشعوب التي تمتلك قوة القهر، وتتبعها أمم وشعوب جبنت عن تقديم التضحيات ورضيت بحياة الذل والعبودية متخلية عن كرامتها ومبادئها وحين تستفيق من غفوتها إما أن يكون فاتها القطار أو يتوجب عليها دفع فاتورة الانعتاق من نير العبودية الى فضاء الحرية واستعادة الكرامة المهدورة أضعافاً مضاعفة”.

فقدان الوعي

ورأى “انّ مشكلة ما يسمى بالعالم الثالث ومنه عالمنا العربي والاسلامي هي في فقدانه لوعيه وانبهاره بما يسمى بالحضارة الغربية والتقدم التكنولوجي وتفوّق القوة المادية الذي أحرزه، وقد كان هذا ربما مبرراً للأجيال التي عاصرت هزيمة الدولة العثمانية وخرج العالم الإسلامي والعربي منه مهزوماً محطماً، ولكنه آن الأوان له للخروج من حالة الصدمة التي انتابته بعد كل التجارب الماضية في تبعيته للغرب التي لم تزده الا رهقاً وتخلفّاً ورجعيةً فشتّت شمله واستخدمته لغاياتها الاستعمارية وهم يرون بأمّ الأعين كمَّ المشاكل التي خلقتها له والحواجز التي تمنعه من استجماع قوته واستثمار ثرواته من الفتن الداخلية التي حطّمته وجعلت أبناءه يهيمون على وجوههم يستغلّهم العالم الغربي ويستفيد من خبراتهم كما يحصل اليوم لأبنائنا الذين نضطرهم للهروب من جحيم تخلفنا والازمات التي نخلقها لأنفسنا ولهم بعد كل التكاليف الباهظة التي نتحمّلها دولاً وأفراداً ليتخرجوا من الجامعات ليأخذها الغرب جاهزة دون أن تكلفه شيئاً ليعدو مستقوياً علينا بما أنتجته أيديهم، فهل بعد هذا إلا الضلال والخسران؟؟”

وتابع: “أيها الاخوة والاخوات، هذا جزء من الصورة المظلمة التي تحكي واقعنا المؤسف، لكن هناك جزءاً آخر منها بدأ يحكي انجلاءها ورسم الحال الذي ينبغي أن يعكس الصورة الحقيقية لأمتنا استجابة لقوله تعالى: (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ)، رسمته ريشة المقاومين بالقاني من دمائهم في مقارعة قوى الطغيان الغربي وأذنابهم وتسجيل الانتصارات في ساحات المواجهة المشرّفة، مما أفسح المجال في إعادة اللحمة للعلاقات العربية الاسلامية والعربية العربية بما حصل من تقارب بين الجمهورية الاسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية وبينها وبين سوريا وسينعكس على لبنان حتماً على قاعدة: “سنشد عضدك بأخيك”، ويخرج شعبه من مشاكله ومعاناته عزيزاً معافى، ولكن يتوجب على اللبنانيين أن يستوعبوا حجم التحولات التي تحدث على الصعيد الإقليمي والعربي الذي لن يكون الا في صالح جميع اللبنانيين وأن يعرفوا أن المتضرر الوحيد مما يحدث هو العدو الاسرائيلي ولن يدفع الثمن أحد غيره فلا يربطنّ أحد مصيره بمصيره”.

اهمية التوافق

وقال: “إنّ اللبنانيين جميعاً مسيحيين ومسلمين شعب واحد ينتمون الى هذا المشرق العربي، وأن مصيرهم واحد وإن تعددت أديانهم وطوائفهم فهي مصدر غناهم وليست سبباً لاختلافهم، وإن تذرع أصحاب الغايات السيئة بها ليبرروا سياساتهم الخاطئة وليفرقوا بين اللبنانيين في الحقوق والواجبات ويميّزوا بينهم بخطابات عنصرية وبلغة هابطة لا ترقى إلى تضحياتهم وما قدّموه حبّاً وتعلّقاً بلبنان وطن نهائي لبنيه”.

وأكد “انّ الفرصة للخروج من هذه الأفكار المتخلفة مؤاتية والحل قادم حتماً فلا تطيلوا في المناكفة والعناد، فالبلد اليوم أحوج ما يكون الى التوافق على أن العمل على الحل بإصلاح النظام يحتاج لجهد أبنائه المخلصين للخلاص من النظام الطائفي الذي لم يحفظ من تمسّك به، وأدخل علاوة على ذلك الطوائف بعضها ببعض ولم يبنِ دولة ولم يحفظ سيادة ولم يحفظ كرامة لشعب وإنّما أعطى فرصة النهب لثروات الناس، فلا حلّ حقيقيا إلا باعتماد دولة المواطنة التي تحفظ الطوائف وتحفظ السيادة وتحافظ على كرامة المواطن”.

وختم: “لقد كنا ندعو وما زلنا الى لغة الحوار والتلاقي ونرفض أن تستمر لغة الهيمنة من البعض متستّرة تحت هذا العنوان أو غيره استمراراً لهذا النهج الطائفي المفضوح، وندعو الى جهد جامع تشترك فيه كل الجهات الممثلة للمكونات اللبنانية للخلاص من النظام الطائفي المتخلّف يضع الأساس لنظام المواطنة والعدالة غير المنتقصة.”

شاهد أيضاً

من الاحتفال المشاريعي في الطريق الجديدة

الطريق الجديدة تحيي مع “المشاريع” ليالي العشر الأواخر من رمضان

الطريق الجديدة تحيي مع “المشاريع” ليالي العشر الأواخر من رمضان تحت شعار “رمضان أيامك أحلى” …