الذكرى الاربع والأربعين لانتصارها: جذور الثورة الإسلاميّة في إيران
سلوى فاضل
يحاول المفكر الأميركي حامد آلكار_ الذي اعتنق الإسلام، وسلك مسالك التصوّف، وهو الذي يجيد أكثر من 10 لغات، ومهتم بالأدبين العربي والفارسي معا، وعرف عنه تخصصه بالحركة الإسلامية في إيران ما قبل وما بعد العام 1979_ نقل صورة تفصيلية لمرحلة ما قبل انتصار الثورة في إيران عبر أربع محاضرات تاريخية ألقاها في مركز “المعهد الإسلامي بلندن” لرئيسه كليم صديقي.
هذا الكتاب الذي يقع في 305 صفحات، ويضم أهم 4 محاضرات ألقاها آلكار مع مداخلات الحضور والملاحق. المحاضرة الأولى كانت بعنوان “إيران والتشيّع”، والثانية “الإمام الخميني: تجسيد لتقليد قديم”، والثالثة “الإسلام بوصفه إيديولوجيا: علي شريعتي وفكره”، والرابعة “عام الثورة”.
ولا أعلم سرّ التأخر بنقل الكتاب إلى العربية بعد أكثر من 4 عقود على انتصار الثورة الإسلامية في إيران الشاهنشاهية؟.
لكن “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي” يبرر النشر المتأخر (2021) بأن الكتاب “ما زال غضّا ويستحق الاهتمام والعناية مجددا”. و”هو تأريخ فكري للثورة ومحاولة البحث عن جذورها”. ويرى المركز أن “التشيّع جذر من جذورها (الثورة)”.
وفي تمهيد للدكتور كليم صديقي للمحاضرات الأربع الشهيرة، يقول “فشلت الحركة الإسلامية التعامل مع المشكلات على المستوى السياسي (…)، إذ سُحقت جماعة الإخوان المسلمين تنظيميا، ونال كثير من كوادرها وقياداتها المبرزة الشهادة. أما بعض من نجا منهم، فقد منحته السعودية ملاذا على صورة وظيفة، فكان على هؤلاء الثوار المؤقتين قبول الرعاية الملكية مقابل خضوعهم لسلطانها، وفي باكستان أرخيّ الحبل قليلا لـ”جماعت إسلامي” لأنها لم تُمثل أيّ تحد مباشر للنظام القائم”.
جاءت الثورة في إيران دون سابق إنذار وفتحت مرحلة شديدة المرارة للحضارة الغربية ونُظمها السياسية والإقتصادية بعد صراعها مع البلشفية والحركات اليسارية في العالم. إذ أن الغرب كان قد طوى الإسلام في مرحلة النسيان. فهذا الانتصار جعل الحركة الإسلامية في مرحلة تجدّد وباتت تُشكل واقعا ثوريا.
منابتها
حاول المتسلطون في المشرقين العربي والإسلامي الحد من انتصار الثورة خوفا على تزلزل كياناتهم القمعية واحتواء أثر الثورة داخل إيران والتصويب على شيعية الثورة من أجل تجزئتها. وهو مشروع يمتد إلى اليوم، رغم مرور 4 عقود على قيام الجمهورية الإسلامية في إيران. ويشتد الضغط أكثر فأكثر حاليا على حكوماتها اقتصاديا من أجل شلّ يد الثورة في التمدد ضمن المحيطين العربي والإسلامي.
واللافت هو أن إيران كانت حتى القرن السادس عشر الميلادي دولة سنيّة، ولم تتحول إلى التشيع الا على يد الدولة الصفوية ذات الأصول التركية، والتي دخلها التشيع عبر العلماء العرب من كل من البحرين، والإحساء في السعودية، وجبل عامل في لبنان.
ما يعني أن التشيّع، إضافة إلى القومية الإيرانية، شكلاّ قوة لإيران، وهمّا في الأصل كلهم أما (علماء عرب أو أتراك). وهذه الأصول تذكّرنا بالأصل السوري لموارنة لبنان، والأصل اليمني لشيعته، والأصل التركي للصفويين في إيران.
ويعتبر الاجتهاد لدى الشيعة أساس لا مفر منه، يفرض على كل شيعي الاقتداء والاحتذاء عبر اتباع عالم دين كفوء، في حال كان الفرد المسلم غير قادر على استنباط الحكم الشرعي. هذا “التقليد” هو عبارة عن تسليم أمر المؤمن إلى من يقوده. هذا ما سهّل على مراجع إيران كالمرجع حسن الشيرازي اصدار فتواه بتحريم استهلاك الدخان لمواجهة السيطرة الغربية في القرن التاسع عشر (1892).
ومنذ 1979 ظهرت أول دولة شيعية في العصر الحديث بالعالم، وعلى كل شيعي أن يعتبر نفسه مُمَثلا بهذه الدولة، لأن القيادة تمثّل الفرد العادي.
وبما أن المد اليساري اجتاح العالم، فإن انتصار الثورة الإيرانية على يد مرجع ديني اعتبر أمرا غير مفهوم بالنسبة لكثيرين. وكانت العالم منقسما بين الهيمنة الإمبريالية والسيطرة الشيوعية، فنبتت الجمهورية الإسلامية بقيادة مرجع آتٍ من الحوزة العلمية الدينية من قم المقدسة، حاملا لواء الإسلام في العصر الحديث.
الكتاب
يتميّز الكتاب بالمعلومات الواردة فيه بكونها تضيء على حاضر إيران ويتحدث عن وقائع تاريخية صحيحة.
وتتميز الثورة الإسلامية في إيران عن غيرها بأنها متجذرة في التاريخ لتصل إلى الثورة الحسينية ما قبل أكثر من 12 قرنا، حيث تُشكل شخصيتان بارزتان مدماكا الثورة، وهما: الإمام الخميني، تلميذ كل من الشيخ عبدالكريم الحائري وآية الله بروجردي، والدكتور علي شريعتي.
يورد آلكار أن قم مدينة بناها الفاتحون العرب، فحولوا إسمها مع مرور الزمن من “كمندان” إلى “قم”.
ففي عام 1962 برز نجم الإمام الخميني، وهو إيراني من أصول غير فارسية، بل من أصول عربية كونه سيدا، وعاش والده في الهند، فكان الشاه يحاول تشويه صورة الإمام بالقول إنه هندي.
وأول مواجهة مع الشاه كانت عام 1963، فنُفيّ عدة مرات بين العراق وتركيا وفرنسا، لكنه عاد إلى بلده بعد انضمام الشعب الإيراني إلى الثورة خلف الإمام.
وليس الإمام الخميني هو الوحيد الذي يعتبر من المحركين والفاعلين في الثورة. فمعه يقف الدكتور علي شريعتي الذي اغتاله “السافاك” في لندن بسبب تحريكه وتفاعله مع المناهضين للشاه.
وإن كان البعض يحاول الايحاء أن شريعتي لم يكن مع الثورة الإسلامية، وهو بحسب آلكار المُنّظر الايديولوجي الرئيس للثورة الإسلامية. فـ”الحقيقة تظل ثابتة في اشعال الثورة هو انجاز شريعتي بدرجة كبيرة”.
ورغم استشهاده، قبيل الثورة بوقت قليل، إلا أنه وبحسب آلكار يُعد رمزا كبيرا من رموز الثورة “تاليا فحسب على الإمام الخميني نفسه”.
ويعتبره “مؤرخو إيران واحدا من الشخصيات العميقة التأثير في المرحلة الممهدة للثورة”.
أما انجاز شريعتي البارز فهو طرح الاسلام ليس بوصفه دينا أي شأنا روحيا وأخلاقيا، بل بوصفه إيديولوجيا ونظام أفكار ورؤية شاملة للعالم والواقع.
ويبقى السؤال: لماذا تم تأخير نشر هذا الكتاب وترجمته إلى العربية حيث أنه ينقل أحداثا مضى عليها أكثر من 4 عقود من الزمن، وإن كانت تفيد من باب التوثيق الآن، وهي مهمة لجهة النقل الحي المباشر.
بلغ عديد الجيش الإيراني 400 ألف جنديا، لم يتمكن من مواجهة “شريط كاسيت” ينقل خطب الإمام الخميني من منفاه في “نوفيل لو شاتو”، هذا الكاسيت هو اليوم ما يُسمى بـ”السوشل ميديا” في ظلّ الربيع العربي، كما كان التلغراف شعار الثورة الدستورية.
استخف الشاه، بداية، ومن حوله ومن يدعمه من الأميركيين بقادة الثورة والمناهضين للنظام، معتبرين “أنهم مجموعة ساذجة”.
ويلفت الكاتب إلى اجرام النظام الشهنشاهي حيث أن القتلى بالألوف في كل مواجهة تحصل، لدرجة أنه قصف شعبه بالطيران ولم يرف له جفن.
ختاما..
وبحسب كليم صديقي، رئيس المعهد الاسلامي في لندن، أن “ما من أحد خارج إيران يعرف جذور الثورة الإيرانية 1979 كما يعرفها حامد آلكار”.