الدكتور احمد قيس في حوار موسع مع “الوفد” المصرية:
الجماعات الارهابية صنيعة المخابرات الغربية.. والإعلام المأجور ينشر “الاسلاموفوبيا”
الدكتـور أحمـد محمـد قيـس مؤسـس المركز العلمـى للدراسـات والابحـاث القرآنيـة فـى لبنـان،
أحـد أبـرز املتخصصـن فـى مجـال علـوم القـرآن وعلم الدين المقارن.
ولــد »قيــس« فــى ينايــر عــام 1966م وهــو أســتاذ جامعــى فــى الفلســفة وعلــم الكلام والمنطق والتاريــخ العــام والاسلامي وعلــوم القــرآن، وعلــم الاخلاق والتصــوف.
نــال العديــد مــن العضويــات فــى الهيئــات العلميــة والبحثيــة، وأصــدر العديــد مــن الابحاث الجامعيــة وشــارك فــى لجان المناقشة بالدراســات العليــا، وهــو مؤســس مركــز الخدمات الاجتماعية لأبناء منطقتــه والعوائــل اللبنانيــة، إضافــة إلــى أنــه رحالــة كثيــر الســفر وزار معظــم المناطق العربيــة والاوروبية والاميركية للتعــرف علــى ثقافاتهــا وعاداتهــا.
صدر له عشرات المؤلفات في الدين والفلسفة والقانون والمجتمع والتفسير القرآني وعلوم القرآن.
وهذا نص الحوار كاملاً مع صحيفة الوفد المصرية:
• بداية.. نريد إعطاءنا نبذة عن «مرکز الدراسات القرآنية ببيروت، الذي يقع تحت رئاستكم وما أهم آلياته لتحقيق أهدافه؟
•• أنا من الجيل الذي نشأ وترعرع في بيئة إسلامية نظيفة وسليمة إلى حد ما، بمعنى أن هذه الانقسامات أو الاختلافات بين المسلمين لم تكن
ظاهرة بينهم، وبالتالى ترسخت في ذهني معاني الألفة والوئام والتسامح مع معرفتي بأن هناك اجتهادات مختلفة وتباينات فكرية محصورة داخل الكتب العلمية وعند أهل الاختصاص حصرة.
ولكن مع خروج هذه التباينات إلى العلن، وانتشارها في وسط أبناء الأمتين العربية والإسلامية لا سيما في العقود الثلاثة الأخيرة وبشكل مفتعل، حفزني هذا الأمر إلى العمل للتصدي إلى مشاريع الفتنة المصطنعة من قبل أعداء الأمتين العربية والإسلامية وخاصة أن الجميع يقر ويؤمن بكتاب واحد ألا وهو القرآن الكريم.
وبما أن الاجتهادات الإسلامية هي عبارة عن مدارس فكرية متعددة، أنتجتها عقول بشرية ذات مشارب وأذواق ومصالح خاصة وهي غير معصومة، والخوض فيها قد لا يؤتي ثماره المرجوة، لذلك عمدت بعد التوكل على الله سبحانه إلى الاستعانة بالمعصوم (أي القرآن الكريم على غير المعصوم من مذاهب وأفكار إسلامية متعددة.
وبعبارة ثانية : الاستعانة بالتفسير القرآني المشترك للتوليف بين أبناء الأمتين العربية والإسلامية لا سيما في وقتنا الراهن، وخاصة أن مجموعة الدعوات الإصلاحية أو التقريبية بين المذاهب الإسلامية لم تشتغل على الجانب التفسيري للقرآن الكريم في هذا الإطار. ومن هذه النقطة تحديدا انطلقت فكرة تأسيس المركز العلمي للدراسات والأبحاث الإسلامية، والذي يهدف إلى وضع الدراسات والأبحاث القرآنية المؤسسة على المشتركات بين المفسرين في سبيل تعريف المسلمين بعضهم على بعض بشكل هادئ وسلس، وبعيدا عن التشنج أو التمذهب والتعصب.
ومن شأن هذا الأمر بث الوعي بين أبناء الأمة الواحدة، والتي تشرذمت وتمزقت نتيجة لغياب هذا الوعي عن قصد أو عن غير قصد.
• لماذا ترهلت الأمة الإسلامية وتخلفت عن دورها الحضاري بالرغم من أن القرآن والسنة بين يديها؟
•• إن الإسلام كمنظومة فكرية بما تحمل في طياتها من أفكار ومفاهيم وإمكانات، تستطيع عند أعمالها على أرض الواقع بشكل صحيح وسليم أن تنقل البشرية إلى درجات عليا على كافة الصعد، وعندما أقول بشكل صحيح وسليم أعني بذلك عدم الجمود والتحجر، أو الانعتاق والتفلت، بل تأصيل المستجدات والمتغيرات على ضوء القرآن والسنة الشريفة، وهذا ما يمكن فهمه من الحديث الشريف الذي رواه الترمذي في سننه (المجلد 5/صفحة ۳۲۹) « عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): قال رسول الله: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدی. أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما». وهنالك أيضأ نفس مضمون هذا الحديث لكنه ورد فيه (سنتی بدل عترتي)، وهذا لا إشكال فيه أيضا لأن: أهل الدار أعلم بالذي فيه كما يقال، ولأن العترة النبوية هي طريق المعرفة الستة النبوية كما هو الحال عند أصحاب النبي الكرام.
وعليه، فعند عدم العمل وفق هذا المعلم الذي رسمه رسول الله (ص) الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، تكون النتائج كما هو الحال في واقعنا المعاصر.
وما زاد في الطين بلة أن أعداء الأمتين العربية والإسلامية عرفوا أماكن الخلل والضعف عند المسلمين، فعمدوا إلى إنتاج بعض الكيانات والجماعات التي لبست لبوس الإسلام والإيمان والتقوى، وهي في الواقع بخلاف ذلك، وتعمل على شرذمة المسلمين وإيجاد الفتن في ما بينهم هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى فقد تركز عمل هؤلاء الأعداء على نشر الإلحاد والتحلل الأخلاقي من خلال تقديم ذلك على أنه من المفاهيم الحضارية المعاصرة وأن العلم والمعارف التكنولوجية لا تنسجم مع هذه المفاهيم القديمة.
أضف إلى ما تقدم ضعف دور المؤسسات الدينية الرسمية في التصدي لهذه المؤامرات التي تهدف إلى تمزيق وحدة المسلمين وشرذمتهم.
والحل ممكن ومتاح بشرط توافر الإخلاص بالنية والعزم على العمل الجاد مع الصبر الجميل.
• الخطاب الفلسفي يلعب دورا رائدا في مواجهة الفكر المتشدد والمغلوط حول المفاهيم الإسلامية الرصينة نود إلقاء الضوء على هذا الدور؟
وه إن الخطاب الفلسفي هو نتيجة منطقية الأعمال العقل
الأشياء المحسوسة وغير المحسوسة، يلقي الضوء على المساحة الواسعة والمشتركة لأبناء الإنسانية، ولكن لا يجب إطلاق العنان للعقل بدون مرتكزات شرعية كالوحي على سبيل المثال، وإلا أضحى هذا العقل كالعقل الغربي المادي الذي لا يقبل الماورائيات والدين بشكل عام، كما لا يجب تقييد حركة هذا العقل عن السياحة والتدبر في فضاء الوجود وإلا انقمع وسجن في غيابات العادات والأعراف وتعطل دوره في العمل والإنتاج.
لذا فالمرونة والوسطية هنا هي المقبولة، وما ينتج منها وفق القواعد الشرعية العقلية والعلمية تكون كفيلة بكبح ولجم كل الأفكار المغلوطة أو المتشددة أو ما شابه ذلك.
• هل نحن في حاجة إلى تجديد الخطاب الدينى بالمعنى الاصطلاحي أم أننا بحاجة إلى خطابات جديدة تنطلق من الأفكار وعلاقتها بالواقع لا من الماضي؟
•• المشكلة ليست بالخطاب الديني بما هو خطاب ديني صحيح، وإنما المشكلة بالخطباء ومستوياتهم الثقافية والعلمية ومدى فهمهم للواقع الذي يعيشون فيه، كما أن الاعتبارات المذهبية والعصبية المقيتة والأهواء الشخصية والمصالح الفردية عند بعض الخطباء، كل ذلك أدى ويؤدى إلى تراجع مكانة الفكر الديني عند عموم الناس بشكل عام.
والمعول عليه للتغيير بعد الله سبحانه وتعالى، هي تلك المؤسسات الدينية الرسمية وعلى رأسها الأزهر الشريف لما لها من مكانة علمية تاريخية واحترام كبير لدى أبناء الأمتين العربية والإسلامية، وأدعو بهذه المناسبة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب أن يكثف جهده لإسكات العديد من أبواق الفتنة هنا وهناك، وألا يسمح لأحد أن يعتلى منبر الخطابة ما لم يكن على مستوى عال من العلم والفهم والإحساس بالواقع المحيط به وبالأمة بشكل عام. وأن ينتخب من الخطباء من لديه حس المسئولية تجاه وحدة الأمة الإسلامية بكافة مذاهبها الفقهية.
• هناك ظاهرتان راسختان في أوروبا.. تطرف إسلامي وتطرف ضد الإسلام.. الأصولية والإسلاموفوبيا.. كيف ترى هذا الثنائي الخطيرة
•• وهناك أيضا تطرف مسيحي وتطرف يهودي وتطرف عرقي وغير ذلك، المسألة وكما أقول دائما ليست بالإسلام كدين حنيف وإنما بالمسلمين الذين يحملون هذا الفكر ويفتخرون
بالانتساب إليه، إذ أنهم
مسئولون أمام الله أولا بالمجادلة بالتي
هي أحسن والدعوة إليه سبحانه بالعمل الصالح والأخلاق الحسنة، والنظافة الشخصية وبالتزام الملابس العرفية بحسب كل بلد ومنطقته، فليس من المقبول مثلا أن يعيش بعض المسلمين في البلدان الغربية ولا يلتزموا أو يتفهموا أعرافهم وتقاليدهم، أو الأنكى من ذلك محاولة فرض الأعراف والمفاهيم الإسلامية على الغربيين أو حتى الدعاء عليهم في المساجد الإسلامية التي شيدوها على الأراضي الغربية فكيف يستقيم هذا الأمر؟ وأين هذا التصرف وأين هذه الأخلاق من الأخلاق النبوية الشريفة؟ فالكل مدان فالإسلام الحنيف لا يدعو للخوف بل للتسامح والمحبة والرحمة، والغربيون أيضا لا يجب عليهم تعميم بعض الحالات الشاذة على عموم المسلمين، ومن يعاند من المسلمين هذا الأمر عليه أن يخرج من هذه البلاد ويعود إلى وطنه.
أما عند الإسلام فوبيين) فيجب علينا أن نفهم أنهم صنفان: صنف يقع تحت سيطرة الإعلام المليس الذي يظهر العالمين العربي الإسلامي بشكل متخلف ومتوحش، هذا بالإضافة إلى تسليط الضوء الإعلامي المأجور على جرائم بعض من يدعون الانتساب للإسلام، فبكل الحالات هو يخشى على نفسه من وجود هذه العناصر في مجتمعه وبالقرب منه لذا فهو يرفض هذا الفكر، وصنف هو شريك أو مساهم أو متآمر في الحملة ضد المسلمين، وهذا الصنف تكون خلفيته عادة أصولية يهودية أو مسيحية أو اثنية أو حتى اقتصادية وما شابه ذلك.
• البعض من مفکری وعلماء الاجتماع يتوقعون انحسار الدين في ظل التطور التكنولوجي الآني.. فما رؤيتك لذلك؟
•• مما لا شك فيه أن التطور التكنولوجي الحاصل بوقتنا الراهن قد فتن العديد من أبناء البشرية على اختلاف دياناتهم، ولكن الإنسان بفطرته متعلق بالغيب بغض النظر عن طبيعة هذا الغيب، وهذا التاريخ الموجود بين أيدينا لا يمكن أن تجد فيه مجتمقا لم يكن لديه طقوس عبادية، وبناء على ذلك يمكن القول أن التقلص بأعداد المؤمنين بالفكر الديني يزداد، ولكن أن نقول بانحسار الفكر الديني فهذا خلاف الفطرة وخلاف الطبيعة البشرية بشكل عام، كما أنه محض خيال وليس بعلم.
• هل من الممكن وضع تعريف للتطرف الديني وما أهم أسبابه ودوافعه من وجهة نظركم؟
•• ورد عن الإمام على (كرم الله وجهه ورضى عنه) أنه قال: «أينما ذهب الفقر أخذ أخويه معه الجهل والكفر» من هذه المقولة يمكن الإطلالة على تعريف التطرف، إذ لا يمكن ضم لفظة الدين إلى التطرف، ولا نعت المتطرف بالتدين، وذلك لأن التطرف هو جهل بمقاصد الشريعة السمحاء، وجهل بالقرآن الكريم الذي يقول فيه تعالى: لا إكراه في الدين …، ويقول سبحانه أيضا: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، وغيرها الكثير من الآيات التي تنحو هذا المنحى الهادف والمتسامح.
إلا أن أبناء هذه الأمة التي تتعرض إلى ضغوطات هائلة ومتعددة، ساهمت بازدياد حالة الأمية والفقر أو يمكن القول الفقر والأمية فنتج من ذلك وجود فئتين، الأولى كفرت بالدين وتحللت من قيمة لتعيش وفق مفهوم الغلبة للأقوى، والفئة الأخرى الطيبة التي أرادت تغيير الواقع التي تعيش فيه، فتم اصطياد هؤلاء الشباب من قبل أعداء الإنسانية، وأعداء الأمتين العربية والإسلامية، والذين يخدمون مشاريع الفتنة البغيضة بشكل مزور وكاذب يدعون فيه بالإسلام والتدين، فانساق هؤلاء الشباب والطاقات المستقبلية خلف تلك الشراذم الكاذبة وتم استغلالهم
لذا يجب على المؤسسات الدينية الرسمية وعلى رأسها الأزهر الشريف تعرية هؤلاء الذين يدعون
الإسلام، كما يجب على الحكومات والمؤسسات الوزارية السعي الاستباقي لاستنقاذ أبنائنا من براثن الشر وذلك من خلال إلزامية التعليم في القرى والأرياف والمدن، وأيضا المسح الميداني الاجتماعي لمساعدة الأسر والعوائل الفقيرة قدر المستطاع، والمساهمة في تزويج العاب منهم، وبهذا الأمر يمكن الحد من هذه الظواهر البغيضة.
ناهيك عن مراقبة الإعلام وما يبث فيه من سموم وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي وغير ذلك من مسائل لا يمكن استعراضها الآن في هذه العجالة.
• هل تؤمن بنظرية المؤامرة من العالم الغربي ضد العالم الإسلامي وما حجتك في ذلك؟ وكيف ترصد مواقف أميركا من العالم الإسلامي؟
•• إن مفهوم المؤامرة يحمل في طياته العديد من المعاني المختلفة لجهة الأهداف النهائية، فتارة يكون معنى المؤامرة إجماع القوم على قتل فلان، أو سرقته ونهبه، أو اغتصاب أرضه أو عرضه، وهكذا .. وتارة أخرى يكون معنى المؤامرة الهيمنة الشاملة وهي تهدف إلى إلحاق الآخر بركب المهيمن على كافة الصعد الثقافية والاقتصادية والدينية والسياسية وما شابه ذلك.
والذي نشهده في العالمين العربي والإسلامي منذ مطلع القرن العشرين هو من النوع الثاني، أي الهيمنة الشاملة على مقدرات شعوبنا وأوطاننا، وحتى ثقافتنا وديننا، وعاداتنا وتقاليدنا وغير ذلك. والسبب من وراء كل ذلك هي تلك النعم التي أنعم الله بها علينا من ثروات طبيعية واقتصادية، كذلك الأمر لأن منطقتنا هي مهد الحضارات البشرية ومركز حركة الرسالات السماوية. وهذا الأمر انطلق في حقيقته منذ مطلع القرن الحادي عشر مع بداية الحروب الصليبية
وتبلور بشكل أوضح مع بداية حركة الاستشراق أي في منتصف القرن السادس عشر، والتي تبلورت إلى الفعل المباشر مع حركة الغزو والاستعمار الإنجليزي والفرنسي والإيطالي والألماني وصولا إلى مرحلة إسقاط الإمبراطورية العثمانية الغير المأسوف عليها، وتقسيم المناطق والبلاد العربية والإسلامية إلى ما يشبه الغنيمة بين المنتصرين، وهذا ما أفرز نشوء كيانات وبلاد وفق خرائط رسمها هؤلاء الغربيون بما يخدم مصالحهم الاستعمارية، وبعد الحرب العالمية الثانية ورثت الولايات المتحدة الأميركية هذه الغنائم بالتنسيق مع بعض حلفائها الأوروبيين.
ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى مرحلة تفكيك الاتحاد السوفيتي وما تلاها من أحداث اليومنا الراهن ما تزال سياسة النهب المنظم لثرواتنا ومقدراتنا وقراراتنا السياسية والاقتصادية والثقافية قائمة، ولا تزال تجرى على قدم وساق، وأصدق مثال على ذلك أرض فلسطين الحبيبة.
ومن جهة أخرى ما زال العمل مستمرا من أجل إيجاد الفتن العرقية والفتن المذهبية في أوطاننا، وكل ذلك من أجل منع التفكير عند شعوبنا بالوحدة العربية أو الوحدة الإسلامية. وغيرها الكثير والكثير من الدلائل على وجود هذه المؤامرة، فهى حقيقة نعيشها وليست أوهاما أو عقدا نفسية.
أما السياسات الأميركية القائمة على مبدأ البرغماتية النفعية، فهي لا تنظر إلى بلاد العرب والمسلمين إلا من منظار هذا المبدأ الذي تعتمده حتى مع غير العرب والمسلمين، والحرب الروسية الأوكرانية، أو العمل الاستفزازي للصين لإيقاع الحرب بينها وبين تايوان لخير دليل على هذا المعنى المتقدم. وهذا المبدأ النفعي المتوحش والمتخلف، لا يهمه ما يحصل للشعوب وللبلاد والعباد طالما يحقق تلك المصلحة الدنيوية الدنيئة، والتي لن تلبث أن تزول مع الوقت لأن ذلك سنة كونية واجتماعية وبشرية وبالأصل إلهية.
• كيف ترى مستقبل الثقافة العربية والإسلامية في ظل الهيمنة الغربية على دول الشرق الأوسط؟
•• أن العالمين العربي والإسلامي يمران حاليا في مرحلة انتكاسية على كافة الصعد لا سيما الثقافية والدينية، وهذا برأيي مرده إلى عدة عوامل أهمها : استمرار مشروع الغزو الثقافي والديني والاقتصادي على أمتينا العربية والإسلامية من جهة..
ومن جهة أخرى، تقصير المؤسسات الفكرية والدينية عن اللحاق بركب التطور المعاصر، وذلك بسبب اعتمادهم على منهجيات تلقينية ومعرفية لم تعد تصلح لأبناء هذا الجيل، وعندما أقول المنهجيات أعنى آليات نقل العلوم والمعارف وأدواتها، ولا أعنى بذلك المضمون أو الإرث الحضاري الضخم والرائع.
وعلى كل حال طالما أن القرآن الكريم موجود بين أيدينا، وسيبقى بإذن الله، فإن الثقافة العربية والإسلامية ستبقى لأن من أهم مصادرها القرآن الكريم، وهو باق لأن الله سبحانه قد تعهد بحفظه وهو أصدق القائلين.
• هل ترى أن العالم الإسلامي مطالب بتحسين صورته في المجتمع الغربي أم أنه بحاجة إلى إيصال صورته الحقيقية التي أطرها القرآن والسنة النبوية؟
•• إن العالم الإسلامي مطالب بمعالجة مشكلاته وقضاياه أولا، وتحصين نفسه من فتن وشرور أعدائه ثانية، وهذا لا يمكن حصوله إلا من خلال تفعيل مشاريع الوحدة العربية والإسلامية، فإن في هذا الأمر عزه ورخاءه وحفظ كرامة أبنائه، وصيانة ثرواته ومقدراته، وفي هذا الأمر أن حصل وأنا متفائل بحصوله على الرغم من هذا الظلام الحالك، وذلك لأن المولى عز وجل وعد بهذا من خلال قوله تعالى : ولقد كتبنا في البور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) {الأنبياء: 105}، سنعود لنرى حركة الهجرة المعاكسة من الغرب إلى بلادنا كما كان يحصل قبل تاريخ النكسة في العام 1948، حيث كانوا يلجأون إلى بلادنا طمعا بالأمن والأمان والرخاء المعيشي والاقتصادي. وكل ذلك بسبب عودة الأمتين إلى القرآن والسنة النبوية الشريفة، وهذه ليست
أمنيات بل حقيقة آتية حتما، لأن المولي يقول سبحانه في محكم كتابه: (إنا لنر ژلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) {غافر: ۵۱}.
• الإسلام وحده من بين الديانات توجه له سهام الغرب متهمة إياه بالإرهاب فلماذا في رأيك؟
•• لأنه الوحيد الذي يمتلك منظومة فكرية كاملة تحاكى الفرد والمجتمع الإنساني، ولديه مقومات جذب لجميع أبناء البشرية، وهذا ما يغيظ أعداء الإسلام من ناحية، أما من الناحية الأخرى فإن هذه الجماعات التي تعتنق الفكر الإرهابي وتمارسه بشكل سينمائي، فإنهم بالحقيقة منتجات غربية وصناعات استخبارية، لتشويه الدين والإفساد في البلاد والعباد .
• ماذا عن تصورکم لشكل الخطاب الإسلامي المعاصر الذي يجمع بين مقاصد الشريعة ويحقق مصالح العباد؟
•• يجب أن يكون شكل الخطاب الديني ومضمونه يتوافق مع مقتضيات الزمان والمكان، ولا ضير بالاستعانة بأهل الاختصاص عند معالجة أي مسألة خارج حدود المعارف الدينية والفقهية، كما يجب أن يحمل هذا الخطاب معالم المشكلة التي يتعرض إليها، وأن يقدم الحل الأنسب لها، ولا يكتفي بالتوصيف أو (النق) لأن ذلك باعث على اليأس والنفور.
• هل تعتقد أن الحرص على التراث وتقديس السلف هو السبب وراء ما نراه من تناقضات بين المسلمين حتى أنه في الوقت الذي يتهافتون فيه على منتجات العقل الغربي المادية نراهم يعرضون عن تقبل المنتج الفكري لهذا العقل؟”
و يقول تعالى: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما گ م ولا تسألون عما كانوا يعملون) {البقرة: ۱۳۶}.
مر معنا سابقا أن التحجر والجمود هو تعطيل للعقل، والتنكر للتراث والجهد البشري السابق هو خفة عقل وسذاجة، فيجب على المسلم المعاصر أن يعيش زمانه وفق مقتضيات وأعراف هذا الزمان، وأن يستلهم من التجارب السابقة بعض الحلول لبعض المشكلات التي قد تعترض سبيله..
أما مسألة تقديس التراث والسلف مطلقا فهذا ما لا دليل عليه، كما أنه نوع من أنواع الوثنية المغلفة بالعناوين الإسلامية. نعم يجب يجب احترام وتقدير من ثبت احترامه وتقديره وإخلاصه لله وللرسول وللاسلام بشكل عام، أما التعميم فلا يصح مطلقا ومن مصادیقه وجود هذه التناقضات بين القول والفعل والممارسة بشكل عام.
كيف ترى أطروحة عالم السياسة الأميركي صمويل هنتنجتون حول صدام الحضارات؟
•• هي محاولة شعوبية استعلائية تهدف إلى إظهار العالم الغربي بشكل أرقى وأرفع من العالم الآخر كالآسيوي والأفريقي والصيني والهندي وغير ذلك، وهي شبيهة بمشروع هتلر النازي حول تفوق العرق الآري أو الطرح الصهيوني حول مسألة العرق السامي، كما أنها محاولة استدراج وابتزاز العالمينا العربي والإسلامي حتى نتحول إلى موقع كسب الود الغربي على حساب قيمنا وأعرافنا وتقاليدنا.
وبرأيي المتواضع أن هذا الفخ صنع لنا ووقعنا فيه، وما زلنا نتروج له، وهو لا يستحق المناقشة أو التعليق وخاصة أن بين أيدينا كتاب الله الذي يقول فيه تعالي:
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم أن الله عليه بي) {الحجرات: ۱۳ .
– وكما مر معنا سابقا، أن المفاضلة هنا هي بالتقوى والإرث المعنوي، وليس ببعض الأدوات المادية من حديد وبلاستيك وما شابه ذلك والآيلة إلى الفناء.
• كيف تقيم وضع تيارات الإسلام السياسي في الوطن العربي؟ وهل تتوقع أن تعيد الصورة الكارثية للإسلام السياسي رسم تصور مغاير للدين بوجه عام مستقبلا؟
•• لا يوجد في الإسلام مصطلح (الإسلام السياسي)، وإنما هذا المصطلح هو اختراع من قبل بعض الجماعات والتيارات والأحزاب لتبرير وجودها في الساحة السياسية، فالإسلام منظومة دينية وفكرية متكاملة لا تحتاج إلى اختراعات بشرية جديدة، ويكفي للدلالة على عدم صحة هذه المقولة هو فشل التجارب التي حمل فيها أصحابها هذا العنوان، وهذه الأحداث في عالمنا العربي والإسلامي تشهد على فشل من ذهب لتبنى هذه المقولة، والسبب لهذا الفشل وبرأيي المتواضع، هو الذي صرح به القرآن الكريم من خلال قوله تعالى: (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) {الواقعة: ۸۲}، فلو كان عملهم وسعيهم خالصا لوجه الله، لأعانهم الله سبحانه وسددهم ولكنهم كذبوا فافتضحوا وفشلوا.
• أخيرا.. ماذا عن مشروعكم الفكري الذي تود تحقيقه مستقبلا؟
، الحمد لله فقد أتممت الجزء القرآني الثاني والثالث من التفسير الوحدوي والجامع الذي أسميته (المؤتلف والمختلف في التفسير) وأنا عاكف حاليا على إنجاز الجزء القرآني الرابع بإذن الله.
كما أنني أعمل على عنوان يختص بالسياحة الدينية لا سيما في فلسطين العزيزة، هذا بالإضافة إلى أنني قد تقدمت إلى بعض الجهات الرسمية المصرية بطلب لوضع دليل عن السياحة الدينية في مصر الحبيبة بشكل واسع وشامل.