تأمَّلْ… إدمانُ وسائلِ التواصلِ هروبٌ نحوَ الهاوية
كتب الشيخ الدكتور أسامة شعبان
بسم الله الرحمٰن الرحيم
1- كان الناس إلى حدّ ما متواصلين متزاورين حتى طلعت علينا وسائل التواصل الإلكتروني كأمر واقع لا فكاك منه عند الكثيرين، وماتت الاجتماعيات الحقيقية فيهم، واستُعيض عنها بصُور الكُنافة والحلوى والورود والحدائق ومناظر الطبيعة، والتي تُرسَل بالمطلق للجميع، وصار الواحد بحاجة إلى مُساعِد ليمحو كلّ ما يُرسَل مما هَبَّ ودَبَّ.
2- ما زال كثيرون إلى يومنا هذا لا يعملون مجالس عزاء للميْت، ويكتفون بتلقّي التعازي من خلال الهاتف أو وسائل التواصل، بذريعة الجائحة المرضية التي مرّ عليها سنتان، ويفوّتون على رُوح الميْت ثوابات قراءات القرآن الكريم ودروس الدين وتلاوات الفاتحة وتوزيع الطعام والحلوى والماء والمصاحف والكتيبات الدينية؛ كل ذلك لتوفير المال، وإبعاد التعب جرّاء ساعات الوقوف للتعزية؛ فاعرف ماذا قد ينتظرك أيها الحيّ بعد موتك، وقد خلّفتَ المال لأولادك أو إخوتك!
3- كثير من الأهل دُفِعوا دَفْعًا لتمكين الناشئة من أولادهم حملَ هاتف خاص قبل نُضْجهم وتأهّلهم لاقتناء هذا الجهاز الخطر! بسبب أن الدروس والتعميمات والمتابعات الدراسية من المعلمين والمعلمات عبره؛ ولا يميّز الأهلُ ساعتها بين الدرس الحقيقي والغوص في وسائل التواصل الإلكترونية لتضييع الوقت، فأولادهم يقضون الساعات منكبّين على الشاشة الضوئية تأكل عيونهم وتنهش وجوههم، والأهالي محرجون تائهون قلقون، فلماذا لا يُكتفى بالمذكّرة الإلكترونية عبر موقع المدرسة والثانوية، وبما يُعطى في الصف؟!
4- أخبرني صديق سوري أنهم في البيت بدمشق عام 2013 ما كانوا يجتمعون، لا على طعام ولا سهرة، كلُّ أخ من إخوته في غرفة، وأنه كان يطلب الماء من أخته عبر وسائل التواصل الهاتفية مقابل أن يخدمها خدمةً إلكترونية؛ وفجأةً قُطِعت الشابكة (الإنترنت) أيامًا فضجر وخرج من غرفته وجلس في بَهْو البيت مع بقية إخوته وأبويه، بعد انقطاع عنهم أشهرًا طويلة، فصار يتجاذب أطراف الأحاديث معهم فوجَدَهُمْ “حَبَّابِين”!
5- من أخطر ما في الشابكة ووسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية: قرصنة الحساب، وهتك الأسرار، ولبس الأقنعة بانتحال شخصيات غير حقيقية؛ وكم من شابات وشباب وقعوا أسرى الاحتيال والابتزاز والفضيحة! بحُجّة التجربة والفضول والمغامرات العاطفية والسرية والمالية والصداقة والانفتاح…
6- مِن أَخْبَث مَرْدُودات ومُخْرَجات الانبهار بوسائل التواصل الاجتماعي بالطريقة الرديئة المؤذية: اللامبالاة تُجاه الحياة الواقعية واستحقاقاتها، من بِرّ الوالدين، إلى الدراسة، فالإنتاج والعمل المُجْدي، وصولًا إلى تحصيل نفقة الزوجة والأولاد، وتربيتهم تربيةً صالحة، وانتهاءً بالتزام الصلوات في أوقاتها، وارتياد المساجد، وصلة الأرحام…
7- أخطرُ خطرٍ في وسائل التواصل الاجتماعي تناقلُ الأخبار والصور والشرائط المصوَّرة على أساس أنها حقائق متبنّاة، من غير غربلة وتمحيص وتأكُّد، كذا نشرُ الباطل بصورة الحق بسبب الشهرة والظن والتوهم، والتصدُّر للفتوى والنصيحة من غير أهلية ولا عالِمية، على اعتبار أنه لا يوجد لهذه المواقع في الغالب رقيب وحسيب، لكنّ الله رقيبُهم وحسيبُهم! أما واللهِ لو سكت الجاهلُ ما اختلف كثيرًا الناس.
8- قال أهل العلم قديمًا: مَن كان الكتابُ شيخَه.. فشيخُه الشيطان! وحديثًا ماذا نقول فيمن شيخُه محرِّك “غوغل” (google) أو “ياهو” (yahoo)؟! وهذا آخر الأزمان وأوان أشراط الساعة، زمن الرُّوَيبِضة (الجاهل يتكلّم في أمور العامّة)، وزمن التماس العلم عندَ الأصاغِر الذين تعلّموا مسألتَين ودروا نُكْتَتين (فائدتين مُعجِبتين) ونفخوا صدورهم وأفواههم، وجعلوا الشابكة ووسائل التواصل ميادين صولاتهم وجولاتهم لكثير من القاعدين في بيوتهم مِمَّنْ يُسمّى “حزب الكَنَبَة”؛ وتراهم وتسمعهم يهتمّون بقصص ضرّابي السيوف في المعارك، ودموع البكّائين التوّابين، ولا يدقّقون في تصحيح العقيدة الإسلامية، وسلامة الأحكام الشرعية.
تأمَّل قصةً قصيرةً جدًّا:
يجيء إلى دُنياه.. يعمل بكَسْبه.. العمر يمضي سريعًا بما أسعده وأبكاه.. الملَكان يُسجّلان.. والموتُ فاغِرٌ فاهُ إلى أن تنطفئ فجأةً عيناه… ويبدأ حسابُ ما جَنَتْه يداه.. الجنة مأواه أو النار مثواه!