قرن ونصف من العطاء..الصحافة اللبنانية تحتضر!
علي ضاحي/ خاص takarir.net / “الجزيرة”/ ارشيف
العصر الذهبي الذي شهدته الصحافة اللبنانية، لم تعشه باقي الدول العربية والصحف التي تأسست فيها، وبقيت في إطار الإشراف الرسمي والحكومي، ولم تتحرر من قبضة الحاكم والمسؤول “الاوحد” للنظام الذي خدمته أكان ملكياً ام جمهورياً ام رئاسياً او خاضعاً لهيمنة الحزب الواحد.
وفي لبنان ورغم محاولات التدجين من سلطات الاحتلال العثماني والفرنسي وصولاً الى مليشيات الحرب الاهلية وبعد الطائف إبان الوصاية السورية على لبنان، ومن ثم هيمنة الطوائف والاحزاب المشاركة في السلطة على الصحف والاذاعات والمحطات التلفزيونية والتي قسمت مناطقياً ومذهبياً وطائفياً وعشائرياً وحتى عائلياً، بقيت الصحافة اللبنانية على بعض من حريتها من دون هامش كبير من الإستقلالية التحريرية والمادية للاسباب المذكورة اعلاها.
تاريخ طويل
وعلى مدى أكثر من 158 عاما والصحافة اللبنانية ورغم تميزها منذ العهد العثماني، مرورا بالانتداب الفرنسي، وصولا إلى عهد الاستقلال وما بعده بالاستمرارية والصمود، تشهد اليوم ومنذ 3 اعوام حالة تدهور غير مسبوقة مع إغلاق ما يقارب الـ7 صحف محلية وعربية مقراتها وطبعاتها اللبنانية وإما اغلقت مكاتبها في بيروت وبقيت في الخارج كالحياة، وإما انتقلت الى الميدان الرقمي والالكتروني كالانوار والمستقبل والdaily star .
“أخبار” خليل الخوري
إنطلقت أول صحيفة سياسية لا تمثل السلطة في المشرق كانت من بيروت، وهي جريدة “الأخبار” للصحافي خليل الخوري، مطلع كانون الثاني 1858، أي قبل 158 عاما.
منذ التاريخ التأسيسي بدأ سيل الصحف؛ إذ أصدر بطرس البستاني صحيفة ” نفير سوريا”، عام 1860، فحملت نصائح وطنية، وتلتها صحيفة “النشرة الشهرية” الدينية عام 1863، على يد المرسلين الأميركيين، وفي عام 1891 أصدر خليل بدوي صحيفة “الأحوال”، وهي أول صحيفة يومية في السلطنة العثمانية.
وفي بدايات القرن العشرين، وتحديدا عام 1909، صدر قانون المطبوعات وفق الدستور العثماني، لتزداد الامتيازات الصحافية، وتتبعها حركات سياسية مختلفة الأهداف والأبعاد.
اول إعلان مصور
في هذه الفترة صدرت صحف سياسية كثيرة، أهمها “لسان الحال” لخليل سركيس عام 1877، وفيها ظهر أول إعلان مصور.
منذ هذه التواريخ، وعدد الصحف في ارتفاع، منها ما الديني، ومنها النسائي لسليمة أبي راشد عام 1914 مع مجلة “فتاة لبنان” فضلا عن صحيفة “الحياة” لكامل مروة عام 1946.
إصدارات حزبية
كما شهدت الصحافة في لبنان إصدارات حزبية عدّة مع “صوت الشعب” للحزب الشيوعي عام 1937، و”العمل” لحزب “الكتائب” عام 1939.
مراحل عديدة شهدتها الصحافة اللبنانية، التي عدّها كثيرون الأجرأ في العالم العربي، لكن لم تخل من عقبات ومواجهات مع أنظمة حاكمة، خاصة في سوريا منذ حكم الرئيسين السوريين شكري القوتلي، وحسني الزعيم، ونظام الوحدة السورية-المصرية، حتى حكم حزب البعث.
وقدّم أهل الصحافة في لبنان تضحيات دفاعا عن الوطن والاستقلال والعروبة، فمنهم من دخل السجن وواجه الاضطهاد الفكري دون يأس، واغتيل سليم اللوزي رئيس تحرير مجلة “الحوادث، عام 1980، فعُدّ “شهيد الصحافة والصحفيين”.
اول صحيفة رسمية
وفي عام 1921 صدرت أول صحيفة رسمية باللغة العربية والفرنسية باسم “جريدة لبنان الكبير الرسمية”، فضلا عن صحيفة “L’orient” (الشرق) عام 1923، و”النهار” للصحافي جبران تويني عام 1933.
ومع إعلان الجنرال الفرنسي هنري غورو عام 1920 “دولة لبنان الكبير”، بعد فصله عن سوريا بموجب اتفاقية “سيكس-بيكو” بين فرنسا وبريطانيا، انقسمت المواقف في الصحافة، التي باتت وسيلة لدعم الموقف السياسي والاجتماعي، فصدرت “الإنسانية” ثم “صوت العمال” لفؤاد الشمالي عام 1930، لمواكبة الحركات العمالية.
ومن الأزمات، اتخذت الصحافة اللبنانية نهضة، فعند اعتقال سلطات الانتداب الفرنسي (1920-1943) رجال الاستقلال في “قلعة راشيا” عام 1943، أُطلقت صحيفتان: إحداهما تحمل شعار علامة الاستفهام (؟)، والأخرى شعار علامتي استفهام (؟؟)، لتعبئة الشعب اللبناني ضد الانتداب، وبالفعل جرى إطلاق سراحهم في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1943، الذي يعدّ يوم الاستقلال اللبناني.
وتوالت هذه الوتيرة في الحرب الاهلية اللبنانية (1975-1990)، إذ لم تتوقف الصحف حينها عن الإصدار، وانتظر اللبنانيون افتتاحياتها للتعرف على الجو السياسي العام.
خارج الحدود
وخارج حدود لبنان، أسس الإخوان بشارة وسليم تقلا جريدة “الأهرام” بمصر، وأسس الكاتب والمؤرخ جرجي زيدان مجلة “الهلال”، كما أسس نسيب عريضة وغيره من اللبنانيين صحفا في الأميركتين من أشهرها جريدة “الهدى”.
ولا تزال بيروت -التي اعتبرت عاصمة الثقافة العربية، وبها أول مطبعة في العام العربي، هي مطبعة “القديس جاورجيوس” عام 1751 تشهد على أهمية “السلطة الرابعة”، ودورها الفعال في تحريك الرأي العام، وعدم الاكتفاء بنشر ما تريده الأنظمة الحاكمة.