هل “وهم الأنا” لعبد الحليم حمود رواية أم كتاب فلسفة وجود وتحليل في خبايا النّفس والمجتمع؟
عبير حسيب عربيد
عندما حملت الكتاب للمرّة الأولى، استوقفتني لوحة الغلاف ، الوجه المتكرّر أفقيّا وعاموديّا، فقلت في سرّي إنّه فقط لإعطاء جماليّة الأبعاد للّوحة. ولكن عندما وصلت إلى قبل منتصف الرّواية وكنت ضائعة بين الشّخصيّات، بدأت أفهم المقصود بالتّدرّج العامودي للّوحة، وعند ما يقارب النّهاية فهمت التّرابط الوثيق بين اللّوحة والرّواية وفهمت الخيالات الأفقيّة الّتي أعطاها الرّسّام الكاتب للّوحة، ولاحظت ما لم أنتبه له في البداية، ألا وهو اختلاف الضّوء على الوجه
في التّدرّج العامودي. كما أنّ نظرتها الّتي اعتقدتها للأعلى، كانت نظرة شاملة لفلسفة الوجود وللحياة.
لا أعتقد أنّ أيّ رسّام أو مصمّم كان استطاع سرد الرّواية من غلافها كما فعل الكاتب نفسه.
اسلوب المفاجئة
لن أتحدّث عن أحداث الرّواية الّتي جرت أحداثها في بيروت، كي لا أحرق أحداثها، لكن سأتحدّث عن أسلوب عبدالحليم حمود الّذي لا يضاهيه أحد على الإطلاق في إدخاله عنصر المفاجأة في كلّ صفحة، لا بل في كلّ كلمة. سأتحدّث عن جرأة لو قرأتها عند غيره لاشمأزّيت، لكن مع هذا الكاتب المعجزة، تفهم الهدف من هذه الجرأة فتتألّم أحيانا، تفرح، تحزن، تثور، تصمت وتصمت، لأنّ جرأته هادفة، ثورته هادفة، عنفوانه هادف، وهدوءه هادف.
تعدّدت الشّخصيّات في الرّواية حتّى أنّني كدت أضيع في البداية، فكنت أرجع إلى الصّفحات الأولى مع كل عنوان لشخصيّة، لكن حقيقة هذه الشّخصيّات صدمتني، ولم تترك أفكاري تهدأ منذ أنهيت قراءة هذه الرّواية الّتي أقل ما يقال فيها أنها الرّواية الحدث.
الأبعاد النّفسيّة والبيئيّة والاجتماعيّة كانت بطلة هذه الرّواية. تضيء على مدى تأثير الأسرة والمجتمع على سلوك وشخصيّة الفرد بأسلوب السّهل الممتنع، فكلّ من يقرأها سيعي خطورة البيئة على السّلوك، ودور قوّة الإرادة في تخطّي كل صعوبة.
أضاء الكاتب على قوّة تأثير الإعلام والإعلان على المجتمعات وعلى تفكيرالأفراد.
ذكر الكاتب قصصا حدثت مع شخصيّات معروفة ممّا أثار دهشتي وفضولي لمعرفة المزيد والمزيد عنهم.
نظريّات علميّة
طرح نظريّات علميّة، استعان بأقوال علماء ومشاهير، تحدّث في التّاريخ والجغرافيا وعلم الأحياء، علم النّفس وعلم الاجتماع، تحدّث عن الفنّ والفنّانين.
وفي النّهاية ترك الحديث لإبليس، فوضع إصبعه على الجرح، لا بل على الجروح المستعصية، وأجاب بلسانه عن أسئلة لم نجد لها أجوبة، فتخطّى العقل وتخطّى المحاظير.
من أنت يا عبد الحليم حمّود، وكيف استطعت جمع هذا الكم من المعلومات، الأسئلة والأجوبة؟ من سمح لك باللّعب بمشاعرنا، بأعصابنا، وبعقولنا؟
عندما اشتريت “وهم الأنا” من معرض الكتاب الدّولي مع عدّة كتب من دار “زمكان” قال لي عبد الحليم حمّود:”هذا الكتاب لا يحتمل الانتظار، يجب أن تتفرّغي له لتقرئيه في ٥ أيّام على الأكثر. ”
قرأت في اليوم الأول ٣٠ صفحة، ولم أحتمل أكثر من ذلك لكثرة الشّخصيّات، وهذا ما حدث في اليوم الثّاني، فتوقّعت أن أكمل الرّواية فيما يزيد عن ٧ أيّام قادمة،. في اليوم الثّالث جلست ولم أستطع تركها حتّى آخر نقطة من دهشتها ودهشتي.
عبدالحليم حمّود، جرأتك ثورة في عالم الأدب، وثورتك حدث فريد في السّاحة الثّقافيّة. برأيي هذا الكتاب يجب أن يُتداول في اختصاصي علم النّفس والاجتماع كموضوع للبحث وللمناقشة وللتّنقيب في زوايا ومكنونات سلوك كل شخصيّة.
عبد الحليم حمّود نرفع لك القبّعة احتراما لأفكارك النّادرة بثورتها وبعمقها.
كلّ التّحايا.